للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان الله ﷿ للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم من معصيته وطاعته عامة، فافعلوا أو ذَروا (١).

وقال ابن جرير: يقول الله تعالى: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه فلم تضيعوا نهيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعًا أو عاصيًا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه (٢).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (١١٦)﴾ قال ابن جرير: هذا تحريض من الله تعالى لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر، وأن يثقوا بنصر الله مالك السموات والأرض ولا يرهبوا من أعدائه، فإنه لا وليّ لهم من دون الله ولا نصير لهم سواه (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن مُحرِز، عن حكيم بن حزام قال: بينا رسول الله بين أصحابه إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: ما نسمع من شيء، فقال رسول الله : "إني لأسمع أطيط السماء (٤) وما تلام أن تئط، وما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" (٥).

وقال كعبُ الأحبار: ما من موضع خرم إبرة من الأرض إلا وملك مُوَكَّل بها يرفع علم ذلك إلى الله، وإن ملائكة السماء لأكثر من عدد التراب، وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخه مسيرة مائة عام (٦).

﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧)﴾.

قال مجاهد وغير واحد: نزلت هذه الآية في غزوة تبوك، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) ذكره الطبري بلفظه تقريبًا.
(٣) ذكره الطبري بمعناه.
(٤) الأطيط: هو صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها، أي أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وأيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثمّ أطيط، وإنما هو كلام تقريب، أُريد به تقرير عظمة الله تعالى. (النهاية ١/ ٥٤).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وهو صدوق ربما أخطأ ويتقوى بالشواهد فيكون حسنًا، إذ يشهد له ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي ذر (المسند ٥/ ١٧٣)، وابن ماجه (السنن، الزهد، باب الحزن والبكاء ح ٤١٩٠)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٣٣٧٨).
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب، وسنده ضعيف لضعف يزيد، وكعب الأحبار مشهور برواية الإسرائيلي من الأخبار.