للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر في سنة مُجدبة وحر شديد وعُسر من الزاد والماء (١)، قال قتادة: خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحرِّ على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جَهد شديد حتى لقد ذُكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصُّها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصُّها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم (٢).

وقال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير بن مُطعم، عن عبد الله بن عباس، أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة، فقال عمر بن الخطاب: خرجنا مع رسول الله إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلًا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله ﷿ قد عودك في الدعاء خيرًا فادع لنا، فقال: "تحب ذلك؟ " قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت، فملؤوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (٣).

وقال ابن جرير: في قوله: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ أي: من النفقة والطهر والزاد والماء ﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾ أي: عن الحق، ويشك في دين الرسول ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ يقول: ثم رزقهم الإنابة إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (٤).

﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله، عن عمِّه محمد بن مسلم الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلَّف عن رسول الله في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلَّف عن رسول الله


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد لكنه مرسل، ويتقوى بالمرسل التالي.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وهو مرسل أيضًا، وهذا المرسل مع المرسل السابق يقوي أحدهما الآخر.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وعزاه الهيثمي إلى البزار والطبراني في المعجم الأوسط وقال: ورجال البزار ثقات (مجمع الزوائد ٦/ ١٩٤) وكذلك قال الأستاذ محمود شاكر؛ رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم من طريق ابن وهب به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ١٥٩).
(٤) ذكره الطبري بنحوه.