للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني الله تعالى، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله ﷿ فيما بقي.

(قال): وأنزل الله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) … ﴾ إلى آخر الآيات.

قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله يومئذٍ، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله تعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله تعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٩٦)[التوبة] قال: وكنا خُلِّفنا -أيها الثلاثة- عن أمر أولئك الذين قَبِل منهم رسول الله حين حلفوا فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله فيه، فلذلك قال ﷿: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخليفنا عن الغزو، وإنما هو عمَّن حلف له واعتذر إليه فقُبل منه (١).

هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته رواه صاحبا الصحيح البخاري ومسلم، من حديث الزهري بنحوه (٢).

فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الآية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها، وكذا روي عن غير واحد من السلف في تفسيرها، كما رواه الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ قال: هم كعب بن مالك، وهلال بن أُمية، ومرارة بن الربيع، وكلهم من الأنصار (٣)، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد وكلهم قال: مرارة بن ربيعة (٤)، وكذا في مسلم: ابن ربيعة في بعض نسخه، وفي بعضها: مرارة بن الربيع، وفي رواية عن الضحاك: مرارة بن الربيع، كما وقع في الصحيحين وهو الصواب، وقوله: فسموا رجلين شهدا بدرًا، قيل: إنه خطأ من الزهري، فإنه لا يعرف شهود واحد من هؤلاء الثلاثة بدرًا، والله أعلم.

ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب من هجر المسلمين إياهم نحوًا


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده وبنحو متنه (المسند ٣/ ٤٥٦ - ٤٥٩) وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، المغازي، باب غزوة تبوك (ح ٤٤١٨)، وصحيح مسلم، التوبة، باب توبة كعب بن مالك وصاحبيه (ح ٢٧٦٩).
(٣) أخرجه الطبري من طريق الأعمش به، ويشهد له ما سبق.
(٤) أخرجه الطبري عنهم بأسانيد ثابتة إلا قول الضحاك فأخرجه بسند ضعيف من طريق جويبر عنه ويتقوى، بشواهده السابقة.