للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من خمسين ليلة بأيامها، وضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، أي مع سعتها فسدت عليهم المسالك والمذاهب فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر الله واستكانوا لأمر الله وثبتوا حتى فرَّج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله في تخلفهم، وأنه كان عن غير عذر فعوقبوا على ذلك هذه المدة ثم تاب الله عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيرًا لهم وتوبة عليهم، ولهذا قال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)﴾ أي: اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجًا من أموركم ومخرجًا.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله هو: ابن مسعود قال: قال رسول الله : "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا" (١) أخرجاه في الصحيحين (٢).

وقال شعبة، عن عمرو بن مرة: سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزل، اقرأوا إن شئتم ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مِنَ (٣) الصَّادِقِينَ﴾ هكذا قرأها، ثم قال: فهل تجدون لأحد فيه رخصة [في الكذب] (٤) (٥).

وعن عبد الله بن عمرو في قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ قال: مع محمد وأصحابه (٦).

وقال الضحاك: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما (٧).

وقال الحسن البصري: إن أردت أن تكون مع الصادقين فعليك بالزهد في الدنيا والكفِّ عن أهل المِلَّة (٨).

﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)﴾.

يعاتب المتخلفين عن رسول الله في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٣٨٤) وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، الأدب، باب قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)﴾ [التوبة] (ح ٦٠٩٤)، وصحيح مسلم، البر والصلة، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله (ح ٢٦٠٧).
(٣) كذا في الأصول وتفسير ابن أبي حاتم، وهو قراءة شاذة تفسيرية لبيان معنى المعية هنا.
(٤) الزيادة من تفسير ابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي داود عن شعبة به، ورجاله ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من ابن مسعود .
(٦) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق زيد بن أسلم عن نافع عن ابن عمر.
(٧) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق جويبر عن الضحاك.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق خليد بن دعلج عن الحسن وخليد ضعيف كما في التقريب.