للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أحياء العرب، ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل له من المشقة، فإنهم نقصوا أنفسهم من الأجر لأنهم ﴿لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ وهو العطش ﴿وَلَا نَصَبٌ﴾ وهو التعب ﴿وَلَا مَخْمَصَةٌ﴾ وهي المجاعة ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾ أي: ينزلون منزلًا يرهب عدوهم ﴿وَلَا يَنَالُونَ﴾ منه ظفرًا وغلبة عليه ﴿إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ﴾ بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم وإنما هي ناشئة عن أفعالهم أعمالًا صالحة وثوابًا جزيلًا ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ كقوله: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: ٣٠].

﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ﴾ هؤلاء الغزاة في سبيل الله ﴿نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً﴾ أي: قليلًا ولا كثيرًا ﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا﴾ أي: في السير إلى الأعداء ﴿إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ﴾ ولم يقل ههنا به، لأن هذه أفعال صادرة عنهم، ولهذا قال: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان من هذه الآية الكريمة حظ وافر ونصيب عظيم، وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة والأموال الجزيلة، كما قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبو موسى الغنزي، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني سليمان بن المغيرة، حدثني الوليد بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب السلمي، قال: خطب رسول الله فحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان : عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، قال: ثم حثَّ، فقال عثمان: عليَّ مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها، قال: ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حثَّ، فقال عثمان بن عفان: عليَّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: فرأيت رسول الله قال بيده هكذا يحركها، وأخرج عبد الصمد: يده كالمتعجب "ما على عثمان ما عمل بعد هذا" (١).

وقال عبد الله أيضًا: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة، حدثنا عبد الله بن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حتى جهز النبي جيش العسرة، قال: فصبَّها في حجر النبي ، فرأيت النبي يقلبها بيده ويقول: "ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم" يردِّدها مرارًا (٢).

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ﴾ الآية: ما ازداد قوم في سبيل الله بعدًا من أهليهم إلا ازدادوا من الله ﷿ قربًا (٣).


(١) أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده بسنده ومتنه (المسند ٢٧/ ٢٤٧ ح ١٦٦٩٦) وضعفه محققوه لجهالة فرقد أبي طلحة.
(٢) أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده بسنده ومتنه (المسند ٣٤/ ٢٣٢ ح ٢٠٦٣٠)، وحسّن سنده محققوه.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.