للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعداء في سفال وخسار، ثم لما وقعت الفتن والأهواء والاختلافات بين الملوك طمع الأعداء في أطراف البلاد وتقدموا إليها، فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض، ثم تقدموا إلى حوزة الإسلام فأخذوا من الأطراف بلدانًا كثيرة، ثم لم يزالوا حتى استحوذوا على كثير من بلاد الإسلام، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فكلَّما قام ملك من ملوك الإسلام وأطاع أوامر الله وتوكل على الله فتح الله عليه من البلاد واسترجع من الأعداء بحسبه وبقدر ما فيه من ولاية الله. والله المسؤول المأمول أن يمكِّن المسلمين من نواصي أعدائه الكافرين، وأن يعليَّ كلمتهم في سائر الأقاليم إنه جواد كريم.

﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾ فمن المنافقين ﴿مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا﴾ أي: يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانًا قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾.

وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء. بل قد حكى غير واحد الإجماع على ذلك. وقد بسط الكلام على هذه المسألة في أول شرح البخاري ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ أي: زادتهم شكًا إلى شكهم وريبًا إلى ريبهم كما قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)[الإسراء] وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببًا لضلالهم ودمارهم، كما أن سيء المزاج لو غذي به لا يزيده إلا خبالًا ونقصًا.

﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٢٧)﴾.

يقول تعالى: أَوَ لا يرى هؤلاء المنافقون ﴿أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ﴾ أي: يختبرون ﴿فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي: لا يتوبون من ذنوبهم السالفة ولا هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم، قال مجاهد: يختبرون بالسنة والجوع (١).

وقال قتادة: بالغزو في السنة مرة أو مرتين (٢).

وقال شريك، عن جابر: هو الجعفي، عن أبي الضحى عن حذيفة في قوله: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.