للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾ قال: كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين فيضل بها فئام من الناس كثير. رواه ابن جرير (١).

وفي الحديث عن أنس: لا يزداد الأمر إلا شدة ولا يزداد الناس إلا شُحًّا، وما من عام إلا والذي بعده شرّ منه، سمعته من نبيكم (٢).

وقوله: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٢٧)﴾ هذا أيضًا إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله ﴿نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أي: تلفتوا ﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا﴾ أي: تولوا عن الحق وانصرفوا عنه، وهذا حالهم في الدين لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه كقوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)[المدثر] وقوله تعالى: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧)[المعارج] أي ما لهؤلاء القوم يتفللون عنك يمينًا وشمالًا هروبًا من الحق وذهابًا إلى الباطل، وقوله: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ كقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥] أي لا يفهمون عن الله خطابه ولا يقصدون لفهمه ولا يريدونه بل هم في شغل عنه ونفور منه فلهذا صاروا إلى ما صاروا إليه.

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)﴾.

يقول تعالى ممتنًا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولًا من أنفسهم -أي: من جنسهم وعلى لغتهم كما قال إبراهيم : ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: منكم وبلغتكم، كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي، والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: إن الله بعث فينا رسولًا منا نعرف نسبه وصفته ومدخله ومخرجه وصدقه وأمانته … وذكر الحديث.

وقال سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، وقال : "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح" (٣).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق شريك به، وسنده ضعيف لضعف جابر وهو الجعفي.
(٢) هذا الحديث ذو شقين: الأول أخرجه ابن ماجه (السنن، الفتن، باب شدة الزمان ح ٤٠٣٩)، وقال الألباني: ضعيف جدًا (صحيح سنن ابن ماجه ح ٣٢٦٤)، وأخرجه الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي بأن يحيى بن السكن ضعفه صالح جزرة (المستدرك ٤/ ٤٤١). وأما الشق الثاني أخرجه البخاري من حديث أنس مرفوعًا (الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه ح ٧٠٦٨).
(٣) سنده ضعيف لأن محمد بن جعفر بن محمد بن علي الهاشمي، قال الحافظ ابن حجر: "تُكلم فيه" (لسان الميزان ٥/ ١٠٣).