للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣)﴾.

يخبر تعالى أنه رب العالم جميعه، وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام قيل: كهذه الأيام. وقيل: كل يوم كألف سنة مما تعدون؛ كما سيأتي بيانه ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ والعرش أعظم المخلوقات وسقفها.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة، حدثنا أبو أُسامة، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعدًا الطائي يقول: العرش ياقوتة حمراء (١).

وقال وهب بن منبه: خلقه الله من نوره (٢). وهذا غريب.

وقوله: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ أي: يدبر الخلائق ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: ٣] ولا يشغله شأن عن شأن ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير في الجبال والبحار والعمران والقفار ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ الآية [هود: ٦]، ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩].

وقال الدراوردي، عن سعد بن إسحاق بن كعب أنه قال حين نزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ الآية: لقيهم ركب عظيم لا يرون إلا أنهم من العرب فقالوا لهم: من أنتم، قالوا: من الجن خرجنا من المدينة أخرجتنا هذه الآية. رواه ابن أبي حاتم (٣).

وقوله: ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ كقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] وكقوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)[النجم] وقوله: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣].

وقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ أي: أفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ أي: أيها المشركون في أمركم تعبدون مع الله إلهًا غيره وأنتم تعلمون أنه المتفرد بالخلق كقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧] وقوله: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٨٧)[المؤمنون]، وكذا الآية التي قبلها والتي بعدها.

﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤)﴾.

يخبر تعالى أن إليه مرجع الخلائق يوم القيامة لا يترك منهم أحدًا حتى يعيده كما بدأه ثم ذكر


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وقال الذهبي: هذا ثابت عن هذا التابعي الإمام (العلو ص ٥٨). لكنه مرسل ولعله يتقوى بما رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بنحوه وسنده صحيح، وعزاه ابن حجر إلى عبد الرزاق (الفتح ١٣/ ٤٠٥).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن وهب به. واستغربه الحافظ ووهب معروف برواية الإسرائيليات.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الدراوردي به وسنده مرسل، لأن سعد بن إسحاق من صغار التابعين.