يخبر تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء، وجعل شعاع القمر نورًا هذا فن وهذا فن آخر، ففاوت بينهما؛ لئلا يشتبها، وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل، وقدَّر القمر منازل فأول ما يبدو صغيرًا ثم يتزايد نوره وجرمه حتى يستوسق ويكمل إبداره ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر كقوله تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)﴾ [يس] وقوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ الآية [الأنعام: ٩٦]. قال في هذه الآية الكريمة: ﴿وَقَدَّرَهُ﴾ أي: القمر ﴿مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ فبالشمس تعرف الأيام وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام.
وقوله: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أي: تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا، وإذا ذهب هذا جاء هذا لا يتأخر عنه شيئًا كقوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤] وقال: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ الآية [يس: ٤٠] وقال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ الآية [الأنعام: ٩٦].