للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة ولا يرجون في لقائه شيئًا ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها نفوسهم.

قال الحسن: والله ما زينوها ولا رفعوها حتى رضوا بها (١).

وهم غافلون عن آيات الله الكونية، فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها فإن مأواهم يوم معادهم النار جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا والإجرام مع ما هم فيه من الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)﴾.

هذا إخبار عن حال السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وامتثلوا ما أمروا به فعملوا الصالحات بأنه سيهديهم بإيمانهم.

يحتمل أن تكون الباء ههنا سببية، فتقديره بسب إيمانهم في الدنيا يهديهم الله يوم القيامة على الصراط المستقيم حتى يجوزوه ويخلصوا إلى الجنة، ويحتمل أن تكون للاستعانة كما قال مجاهد في قوله: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ قال: يكون لهم نورًا يمشون به (٢).

وقال ابن جريج في الآية: يمثّل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره يعارض صاحبه ويبشره كل خير، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك. فيجعل له نورًا من بين يديه حتى يدخله الجنة، فذلك قوله تعالى: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾، والكافر يمثّل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة، فيلزم صاحبه ويلازُّه حتى يقذفه في النار (٣). وروي نحوه عن قتادة مرسلًا (٤) فالله أعلم.

وقوله: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)﴾ أي: هذا حال أهل الجنة، قال ابن جريج: أُخبرت بأن قوله: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ قال: إذا مرَّ بهم الطير يشتهونه، قالوا: سبحانك اللَّهم، وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه فيسلم عليهم فيردُّون عليه، فذلك قوله: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ قال: فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم فذلك قوله: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (٥).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق حوشب، وهو ابن مسلم الثقفي، عن الحسن.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف، فيه الحسين وهو ابن داود ضعيف، وكذلك هو معضل، لأن مثل هذا لا يؤخذ من تابع تابعي، ويتقوى بما يلي.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة لكنه مرسل.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف كسابقه عن ابن جريج.