للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مقاتل بن حيان: إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ قال: فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفة من ذهب فيها طعام ليس في الأخرى، قال: فيأكل منهم كلهن (١).

وقال سفيان الثوري: إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [فيأتيهم ما دعوا به] (٢) (٣).

وهذه الآية فيها شبه من قوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ الآية [الأحزاب: ٤٤]، وقوله: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)[الواقعة]، وقوله: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)[يس]، وقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ الآية [الرعد].

وقوله: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذا فيه دلالة على أنه تعالى هو المحمود أبدًا المعبود على طول المدى، ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره، وفي ابتداء كتابه، وعند ابتداء تنزيله حيث يقول تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ [الكهف: ١]، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الأنعام: ١] إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها، وإنه المحمود في الأولى والآخرة في الحياة الدنيا وفي الآخرة في جميع الأحوال، ولهذا جاء في الحديث: "إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يُلهَمون النفس" (٤). وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تزايد نعم الله عليهم فتكرر وتعاد وتزداد فليس لها انقضاء ولا أمد، فلا إله إلا هو ولا رب سواه.

﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)﴾.

يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في الشر في حال ضجرهم وغضبهم وإنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفًا ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء، ولهذا قال: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ الآية، أي لو استجاب لهم كلما دعوه به في ذلك لأهلكهم، ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة، عن عبادة بن الوليد، حدثنا جابر قال: قال رسول الله : "لا تدعوا على أنفسكم


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير بن معروف عن مقاتل لكنه معضل، لأن مثل هذا الأثر لا يؤخذ من تابع تابعي.
(٢) ما بين معقوفين زيادة من تفسير الطبري.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبيد الله الأشجعي عن الثوري وحكمه كسابقه.
(٤) أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله (الصحيح، الجنة وصفة نعيمها، باب فىِ صفات الجنة وأهلها ح ٢٨٣٥).