للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم" (١). ورواه أبو داود من حديث حاتم بن إسماعيل به (٢). وقال البزار: وتفرد به عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري لم يشاركه أحد فيه.

وهذا كقوله تعالى: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾ الآية [الإسراء: ١١].

وقال مجاهد في تفسير هذه الآية: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ الآية: هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه: اللَّهم لا تبارك فيه والعنه. فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم (٣).

﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)﴾.

يخبر تعالى عن الإنسان وضجره وقلقه إذا مسه الشر كقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ [فصلت: ٥١] أي: كثير، وهما في معنى واحد، وذلك لأنه إذا أصابته شدة قلق لها وجزع منها، وأكثر الدعاء عند ذلك فدعا الله في كشفها ورفعها عنه في حال اضطجاعه وقعوده وقيامه وفي جميع أحواله، فإذا فرَّج الله شدته وكشف كربته أعرض ونأى بجانبه وذهب كأنه ما كان به من ذلك شيء ﴿مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾، ثم ذمَّ تعالى من هذه صفته وطريقته فقال: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فأما من رزقه الله الهداية والسداد والتوفيق والرشاد فإنه مستثنى من ذلك كقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [هود: ١١]، وكقول رسول الله : "عجبًا لأمر المؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، إن أصابته ضراء فصبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء فشكر كان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" (٤).

﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)﴾.

أخبر تعالى عما أحل بالقرون الماضية في تكذيبهم الرسل فيما جاؤوهم به من البينات والحجج الواضحات، ثم استخلف الله هؤلاء القوم من بعدهم وأرسل إليهم رسولًا لينظر طاعتهم له واتباعهم رسوله، وفي صحيح مسلم من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء" (٥).

وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة بهذا، أنبأنا حماد، عن ثابت


(١) أخرجه مسلم من طريق حاتم بن إسماعيل به (الصحيح، الزهد، باب حديث جابر ح ٣٠٠٦).
(٢) سنن أبي داود، الصلاة، باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله (ح ١٥٣٢)، وسنده صحيح.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه مسلم من حديث صهيب الرومي (الصحيح، الزهد، باب المؤمن أمره كله خير ح ٢٩٩٩).
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأنعام آية ١٦٥.