للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أن عوف بن مالك قال لأبي بكر: رأيت فيما يرى النائم كأن سببًا دُلِّي من السماء، فانتشط رسول الله ثم أعيد، فانتشط أبو بكر ثم ذرع الناس حول المنبر، ففضل عمر بثلاث أذرع حول المنبر.

فقال عمر: دعنا من رؤياك لا أرب لنا فيها، فلما استخلف عمر قال: يا عوف رؤياك، قال: وهل لك في رؤياي من حاجة أَوَ لم تنتهرني؟ قال: ويحك! إني كرهت أن تنعى لخليفة رسول الله نفسه، فقصَّ عليه الرؤيا حتى إذا بلغ ذرع الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع قال: أما إحداهن فإنه كان خليفة، وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم، وأما الثالثة فإنه شهيد.

قال: فقال: يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)﴾ فقد استخلفت يا بن أم عمر، فانظر كيف تعمل؟ وأما قوله: فإني لا أخاف في الله لومة لائم فيما شاء الله، وأما قوله: (شهيد) فأنى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به (١).

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦)﴾.

يخبر تعالى عن تعنت الكفار من مشركي قريش الجاحدين المعرضين عنه إنهم إذا قرأ عليهم الرسول كتاب الله وحججه الواضحة قالوا له: ائت بقرآن غير هذا، أي رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر أو بدله إلى وضع آخر قال الله تعالى لنبيه : ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ أي: ليس هذا إلي إنما أنا عبد مأمور ورسول مبلغ عن الله ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

ثم قال محتجًا عليهم في صحة ما جاءهم به: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ أي: هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته وإرادته، والدليل على إني لست أتقوله من عندي ولا افتريته أنكم عاجزون عن معارضته، وأنكم تعلمون صدقي، وأمانتي منذ نشأت بينكم إلى حين بعثني الله ﷿ لا تنتقدون علي شيئًا تغمصوني به ولهذا قال: ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أي: أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل؟ ولهذا لما سأل هِرَقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه فيما سأله من صفة النبي قال هرقل لأبي سفيان: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: فقلت: لا (٢). وكان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ومع هذا اعترف بالحق والفضل ما شهدت به الأعداء، فقال له هرقل: فقد أعرف إنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله.

وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة: بعث الله فينا رسولًا نعرف صدقه ونسبه


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وأطول، وسنده ضعيف جدًا لأن زيد بن عوف متروك (لسان الميزان ٢/ ٥٠٩).
(٢) أخرجه البخاري مطولًا، الصحيح، بدء الوحي، باب ٧ (ح ٦).