للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمانته (١). وقد كانت مدة مقامه بين أظهرنا قبل النبوة أربعين سنة (٢). وعن سعيد بن المسيب: ثلاثًا وأربعين سنة (٣)، والصحيح المشهور الأول.

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)﴾.

يقول تعالى: لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إجرامًا ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ وتقوَّل على الله، وزعم أن الله أرسله ولم يكن كذلك، فليس أحد أكبر جرمًا ولا أعظم ظلمًا من هذا، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء، فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء؟ فإن من قال هذه المقالة صادقًا أو كاذبًا فلابد أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس، فإن الفرق بين محمد وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى وبين نصف الليل في حندس الظلماء، فمن شيم كل منهما وأفعاله وكلامه يستدل من له بصيرة على صدق محمد وكذب مسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنسي.

قال عبد الله بن سلام: لما قدم رسول الله المدينة انجفل (٤) الناس فكنت فيمن انجفل، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب. قال: فكان أول ما سمعته يقول: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" (٥).

ولما وفد ضمام بن ثعلبة على رسول الله في قومه بني سعد بن بكر قال لرسول الله فيما قال له: من رفع هذه السماء؟ قال: "الله". قال: ومن نصب هذه الجبال؟ قال: "الله". قال: ومن سطح هذه الأرض؟ قال: "الله". قال: فبالذي رفع هذه السماء، ونصب هذه الجبال، وسطح هذه الأرض ألله أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: "اللَّهم نعم". ثم سأله عن الصلاة والزكاة والحج والصيام ويحلف عند كل واحدة هذه اليمين، ويحلف له رسول الله فقال له: صدقت والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنقص (٦). فاكتفى هذا الرجل بمجرد هذا، وقد أيقن بصدقه صلوات الله وسلامه عليه بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه. وقال حسان بن ثابت:

لو لم تكن فيه آيات مبينة … كانت بديهته تأتيك بالخبر

وأما مسيلمة فمن شاهده من ذوي البصائر علم أمره لا محالة بأقواله الركيكة التي ليست


(١) أخرجه الإمام أحمد مطولًا (المسند ٣/ ٢٦٣ - ٢٧٦ ح ١٧٤٠) وحسّنه محققوه.
(٢) أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك (الصحيح، المناقب، باب صفة النبي ح ٣٥٤٧).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ٨/ ٤٣٧)، وذكر الحافظ ابن حجر أنه قول شاذ (فتح الباري ٦/ ٥٧٠).
(٤) أي ذهبوا مسرعين نحوه (النهاية ١/ ٢٧٩).
(٥) أخرجه الترمذي وصححه (السنن، صفة القيامة باب أفشوا السلام وأطعموا الطعام … ح ٢٤٨٧)، وابن ماجه (السنن، إقامة الصلاة، باب ما جاء في قيام الليل ح ١٣٣٤)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ١٠٩٧)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٣/ ١٣).
(٦) أخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك ولم يسم ضمام بن ثعلبة، وإنما قال: رجل من البادية (الصحيح، الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام ح ١٢).