للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بفصيحة، وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة، وقرآنه الذي يخلد به في النار يوم الحسرة والفضيحة، وكم من فرق بين قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)[البقرة]، وبين عُلاك (١) مسيلمة -قبّحه الله ولعنه-: يا ضفدع بنت ضفدعين نقي كما تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين!

وقوله -قبّحه الله-: لقد أنعم الله على الحبلى إذ أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحَشى (٢)!

وقوله خلده الله في نار جهنم -وقد فعل-: الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل!

وقوله -أبعده الله عن رحمته-: والعاجنات عجنًا، والخابزات خبزًا، واللاقمات لقمًا إهالة وسمنًا إن قريشًا قوم يعتدون .. ! إلى غير ذلك من الخرافات والهذيانات التي يأنف الصبيان أن يتلفظوا بها إلا على وجه السخرية والاستهزاء. ولهذا أرغم الله أنفه، وشرب يوم حديقة الموت (٣) حتفه، ومزق شمله، ولعنه صحبه وأهله، وقدموا على الصدّيق تائبين، وجاؤوا في دين الله راغبين، فسألهم الصديق خليفة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنه أن يقرأوا عليه شيئًا من قرآن مسيلمة لعنه الله، فسألوه أن يعفيهم من ذلك، فأبى عليهم إلا أن يقرأوا شيئًا منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس فيعرفوا فضل ما هم عليه من الهدى والعلم، فقرأوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه، فلما فرغوا قال لهم الصديق : ويحكم أين كان يذهب بعقولكم؟ والله إن هذا لم يخرج من إل (٤) (٥).

وذكروا أن عمرو بن العاص وفَدَ على مسيلمة، وكان صديقًا له في الجاهلية، وكان عمرو لم يسلم بعد فقال له مسيلمة: ويحك يا عمرو! ماذا أنزل على صاحبكم؟ يعني: رسول الله في هذه المدة فقال: لقد سمعت أصحابه يقرأون سورة عظيمة قصيرة فقال: وما هي؟ فقال: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) … ﴾ [العصر] إلى آخر السورة. ففكر مسيلمة ساعة ثم قال: وأنا قد أُنزل عليَّ مثله فقال: وما هو؟ فقال: يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر، كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب (٦).

فإذا كان هذا من مشرك في حال شركه لم يشتبه عليه حال محمد وصدقه وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه.


(١) العُلاك: ما يُعلك ويُمضغ.
(٢) الصفاق: الجلد الأسفل تحت الجلد الذي عليه الشعر، والحَسنى: ما دون الحجاب مما في البطن كله، من الكبد والطحال والكرش.
(٣) الحديقة: اسم لبستان كان بأرض اليمامة، فيها قتل مسيلمة الكذاب، وأصحابه يسمونها حديقة الموت (مراصد الإطلاع ١/ ٣٨٧).
(٤) أي من ربوبية، أو عهد (ينظر: النهاية ١/ ٦١).
(٥) ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٦/ ٣٥٩).
(٦) ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٦/ ٣٥٩).