للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكيف بأولي البصائر والنهى وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجى؟ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٣]، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)﴾، وكذلك من كذب بالحق الذي جاءت به الرسل وقامت عليه الحجج، لا أحد أظلم منه كما في الحديث: "أعتى الناس على الله رجل قتل نبيًا أو قتله نبي" (١).

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)﴾.

ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ظانِّين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله، فأخبر تعالى أنها لا تضر ولا تنفع ولا تملك شيئًا ولا يقع شيء مما يزعمون فيها، ولا يكون هذا أبدًا، ولهذا قال تعالى: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾.

وقال ابن جرير: معناه: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؟ (٢)، ثم نزه نفسه الكريمة عن شركهم وكفرهم فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾

ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس كائن بعد أن لم يكن، وأن الناس كلَّهم كانوا على دين واحد وهو الإسلام.

قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ثم وقع الاختلاف بين الناس وعبدت الأصنام والأنداد والأوثان فبعث الله الرسل (٣) بآياته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢]

وقوله: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ الآية، أي: لولا ما تقدم من الله تعالى أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه، وأنه قد أجَّل الخلق إلى أجل معدود لقُضي بينهم فيما اختلفوا فيه فأسعد المؤمنين وأعنت الكافرين.

﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)﴾.

أي: ويقول هؤلاء الكفرة المكذبون المعاندون لولا أنزل على محمد آية من ربه يعنون: كما أعطى الله ثمود الناقة، أو أن يحول لهم الصفا ذهبًا، أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهرًا أو نحو ذلك مما الله عليه قادر ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله كما قال تعالى:


(١) أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود (المسند ٦/ ٤١٢ ح ٣٨٦٨)، وحسن سنده محققوه. وجوده الألباني في السلسلة الصحيحة ١/ ٢٨١.
(٢) ذكره الطبري بلفظه.
(٣) تقدم تخريجه وثبوته عن ابن عباس في تفسير سورة البقرة آية ٢١٣.