للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ الآية [الأعراف: ١٥٧]، ثم مع هذا العلم الذي يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه ولا يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)﴾ أي: لا يؤمنون إيمانًا ينفعهم بل حين لا ينفع نفس إيمانها، ولهذا لما دعا موسى على فرعون وملئه قال: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)[الأنعام] ثم قال تعالى:

﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨)﴾.

يقول تعالى: فهلّا كانت قرية آمنت بكمالها من الأُمم السالفة الذين بعثنا إليهم الرسل بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إلا كذبه قومه أو أكثرهم كقوله تعالى: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠)[يس]، ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)[الذاريات]، ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)[الزخرف].

وفي الحديث الصحيح (١): "عُرض عليَّ الأنبياء، فجعل النبيّ يمرُّ ومعه الفئام من الناس، والنبيّ يمرُّ معه الرجل، والنبيّ معه الرجلان، والنبيّ ليس معه أحد"، ثم ذكر كثرة أتباع موسى .

ثم ذكر كثرة أمته صلوات الله وسلامه عليه كثرة سدت الخافقين الشرقي والغربي، والغرض أنه لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وهم أهل نينوى (٢)، وما كان إيمانهم إلا تخوفًا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعدما عاينوا أسبابه وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له واستكانوا، وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها وكشف عنهم العذاب وأُخروا كما قال تعالى: ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾.


= وحشية، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤] قال: لم يشك رسول الله ولم يسأل، وقول الحسن البصري أخرجه سعيد بن منصور (التفسير ح ١٠٧٧)، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير ومنصور عنه.
(١) أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس بنحوه (صحيح البخاري، الطب، باب من لم يرق ح ٥٧٥٢)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب (ح ٢٢٠).
(٢) أي أهل الموصل، وهي ثاني مدينة في العراق تقع شمال بغداد، أسأل الله تعالى أن يفك أسر العراق من المحتلّين.