للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واختلف المفسرون: هل كَشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي؟ أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط على قولين:

أحدهما: إنما كان ذلك في الحياة الدنيا كما هو مقيد في هذه الآية.

والثاني: فيهما لقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (١٤٨)[الصافات] فأطلق عليهم الإيمان، والإيمان منقذ من العذاب الأخروي وهذا هو الظاهر، والله أعلم.

وقال قتادة في تفسير هذه الآية: لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت إلا قوم يونس لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المسوح وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله أربعين ليلةً، فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم. قال قتادة: وذُكر أن قوم يونس بنينوى أرض الموصل (١). وكذا روي عن ابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف (٢).

وكان ابن مسعود يقرؤها (فهلا كانت قرية آمنت) (٣).

وقال أبو عمران، عن أبي الجلد قال: لما نزل بهم العذاب جعل يدور على رؤوسهم كقطع الليل المظلم، فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا: علمنا دعاء ندعوا به لعل الله أن يكشف عنا العذاب. فقال: فقالوا: يا حي حين لا حي، يا حي محيي الموتى [ويا حي] (٤) لا إله إلا أنت. قال: فكشف عنهم العذاب (٥). وتمام القصة سيأتي مفصلًا في سورة الصافات - إن شاء الله -.

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ﴾ يا محمد لأذِن لأهل الأرض كلِّهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلُّهم. ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)[هود] وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [الرعد: ٣١] ولهذا قال تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ﴾ أي: تلزمهم وتلجئهم ﴿حَتَّى يَكُونُوا


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طرق صحيحة لكنه مرسل.
(٢) أخرجه الطبري عن ابن مسعود وسعيد بن جبير بأسانيد ضعيفة، وأخرجه بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وهذه الروايات مع ما سبق يقوي بعضها بعضًا.
(٣) قراءة (فهلا): قراءة شاذة تفسيرية، وقد رواها عبد الرزاق عن معمر قال: بلغني في حرف ابن مسعود … فذكرها. ومعمر لم يسمع من ابن مسعود .
(٤) زياد من (حم) وتفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم، وسقط من الأصل ومن النسخ المطبوعة المعتمدة على النسخة الأزهرية كطبعة الشعب، وسلامة، ومكتبة أولاد الشيخ.
(٥) أخرجه الإمام أحمد (الزهد ص ٣٤)، والطبري وابن أبي حاتم كلهم من طريق صالح المري عن أبي عمران الجوني به، وصالح المري، هو ابن بشير: وهو ضعيف، كما في التقريب.