للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)﴾.

يقول تعالى مسليًا لرسوله عمَّا كان يتعنت به المشركون فيما كانوا يقولونه عن الرسول كما أخبر تعالى عنهم في قوله: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)[الفرقان] فأمر الله تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه وأرشده إلى أن لا يضيق بذلك منهم صدره ولا يصدنه ذلك ولا يثنينه عن دعائهم إلى الله ﷿ آناء الليل وأطراف النهار كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)[الحجر] وقال ههنا: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا﴾ أي: لقولهم ذلك، فإنما أنت نذير ولك أسوة بإخوانك من الرسل قبلك، فإنهم كُذبوا وأُوذوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله ﷿،

ثم بيّن تعالى إعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله ولا بعشر سور مثله، ولا بسورة من مثله لأن كلام الربِّ تعالى لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات. وذاته لا يشبهها شيء تعالى وتقدس وتنزه لا إله إلا هو ولا رب سواه،

ثم قال تعالى: ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك، وأن هذا الكلام منزل من عند الله متضمن علمه وأمره ونهيه ﴿وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)﴾.

قال العوفي، عن ابن عباس في هذه الآية: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك أنهم لا يظلمون نقيرًا، يقول: من عمل صالحًا التماس الدنيا صومًا أو صلاة أو تهجدًا بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله تعالى: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، ﴿وَحَبِطَ﴾ عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين (١). وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد (٢).

وقال أنس بن مالك والحسن: نزلت في اليهود والنصارى (٣).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس بنحوه، وليس فيه: إن أهل الرياء، وهذه الزيادة أخرجها الطبري بسند ضعيف من طريق وهيب أنه بلغه عن مجاهد .. فذكره، ويشهد لرواية العوفي ما يلي:
(٢) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الضحاك أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق عبيد بن سليمان عنه.
(٣) قول أنس بن مالك أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق قتادة عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري =