للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبي ربيعة أخبره، أن عائشة زوج النبي أخبرته أن النبي قال: "لو رحم الله من قوم نوح أحدًا لرحم أُم الصبي" قال رسول الله : "كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يعني وغرس مائة سنة الشجر، فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون: تعمل سفينة في البر فكيف تجري؟ قال: سوف تعلمون. فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أُم الصبي عليه، وكانت تحبه حبًا شديدًا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا، فلو رحم الله منهم أحدًا لرحم أُم الصبي" (١). وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد بن جبير قصة هذا الصبي وأُمه بنحو من هذا (٢).

﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٤٧)﴾.

هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عن حال ولده الذي غرق ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ أي: وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحق الذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟

﴿قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ أي الذي وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك، ولهذا قال: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحًا ، وقد نصَّ غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه وإنما كان ابن زنية، ويحكى القول بأنه ليس بابنه وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد والحسن وعبيد بن عمير وأبي جعفر الباقر وابن جريج (٣)، واحتج بعضهم بقوله: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ وبقوله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم: ١٠] فممن قاله الحسن البصري احتج بهاتين الآيتين.

وبعضهم يقول: ابن امرأته. وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن أو أراد أنه نسب إليه مجازًا لكونه كان ربيبًا عنده، فالله أعلم.

وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط (٤)، قال: وقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق موسى بن يعقوب به. وأخرجه الحاكم من طريق موسى بن يعقوب به وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: إسناده مظلم وموسى بن يعقوب ليس بذاك (المستدرك ٢/ ٣٤٢).
(٢) قول كعب وهو معروف بالإسرائيليات مما يؤكدان الرواية السابقة من الإسرائيليات، وقول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق الأعمش عن مجاهد. وهو مرسل، ومثل هذا الخبر لا يؤخذ إلا من الوحي.
(٣) لم أجده سوى عن الحسن البصري أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عوف الأعرابي عنه.
(٤) أخرجه عبد الرزاق والطبري كلاهما بسند ضعيف من طريق الضحاك عن ابن عباس.