للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَهْلِكَ﴾ أي: الذين وعدتك نجاتهم، وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه، فإن الله سبحانه أغير من أن يمكّن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي ، وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١)﴾ إلى قوله: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)[النور].

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية (١).

قال عكرمة: في بعض الحروف: (إنه عملَ عملًا غيرَ صالح)، والخيانة تكون على غير باب (٢)، وقد ورد في الحديث أن رسول الله قرأ بذلك فقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله يقرأ: (إنه عملَ غيرَ صالحٍ) وسمعته يقول: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم) (٣).

وقال أحمد أيضًا (٤): حدثنا وكيع، حدثنا هارون النحوي، عن ثابت البناني، عن شهر بن حوشب، عن أُم سلمة أن رسول الله قرأها: (إنه عملَ غيرَ صالحٍ) أعاده أحمد أيضًا في مسنده. أُم سلمة هي أُم المؤمنين، والظاهر - والله أعلم - أنها أسماء بنت يزيد فإنها تكنى بذلك أيضًا.

وقال عبد الرزاق أيضًا: أنبأنا الثوري، عن ابن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة قال: سمعت ابن عباس سئل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم: ١٠] قال: أما إنه لم يكن بالزنا ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل على الأضياف، ثم قرأ ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ (٥).

قال ابن عيينة: وأخبرني عمار الدُهني أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان ابن نوح إن الله لا يكذب (٦). قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ قال: وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة نبي قط (٧). وكذا روي عن مجاهد أيضًا وعكرمة والضحاك وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج وهو اختيار أبي جعفر بن جرير وهو الصواب الذي لا شك فيه (٨).


(١) سنده صحيح، وأخرجه سعيد بن منصور من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس. وسنده صحيح.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق قتادة عن عكرمة. وقراءة: (عملَ غيرَ صالح). قراءة متواترة.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤٥/ ٥٤٩ ح ٢٧٥٦٩) وسنده ضعيف، ويشهد للقراءة الأولى القراءة المتواترة.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤٤/ ١٣٦ ح ٢٦٥١٨) وقال محققوه: حديث محتمل للتحسين بشاهده.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٦) قوله: إن الله لا يكذب. لعله ردُّ على من قال: إنه ابن زنية.
(٧) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن عيينة به.
(٨) أخرجه الطبري عن الضحاك ومجاهد وعكرمة بأسانيد يقوي بعضها بعضًا. وهو ما جزم به الحافظ ابن كثير.