للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد تضمنت هذه الآية آداب الضيافة من وجوه كثيرة وقوله: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ﴾ تنكرهم ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه، فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية، فعند ذلك نكرهم ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾.

قال السدي: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شُبَّان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه، فلما رآهم أجلهم ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)[الذاريات] فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت (سارة) تخدمهم، فذلك حين يقول: (وامرأته قائمة وهو جالس) (١) في قراءة ابن مسعود فقربه إليهم قال: ألا تأكلون؟ قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعامًا إلا بثمن، قال: فإن لهذا ثمنًا، قالوا: وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال: حق لهذا أن يتخذه ربه خليلًا ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ﴾ يقول: فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة، فلما نظرت (سارة) أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبًا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا (٢)!

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس، عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال: كانوا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل [ورفائيل] (٣). قال نوح بن قيس: فزعم [عون بن أبي شداد] (٤) أنهم لما دخلوا على إبراهيم فقرَّب إليهم العجل مسحه جبريل بجناحه فقام، يدرج حتى لحق بأُمه وأُم العجل في الدار (٥).

وقوله تعالى إخبارًا عن الملائكة: ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ أي: قالوا: لا تخف منا إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم، فضحكت سارة استبشارًا بهلاكهم لكثرة فسادهم وغلظ كفرهم، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس.

وقال قتادة: ضحكت وعجبت أن قومًا يأتيهم العذاب وهم في غفلة (٦).

وقوله: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ قال العوفي عن ابن عباس: فضحكت، أي: حاضت (٧).


= الطبري بهذا اللفظ بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "المشوي النضيج"، وكذا أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(١) هذه قراءة شاذة تفسيرية.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي، وروايته عن ابن مسعود منقطعة لأن السدي لم يلق ابن مسعود ، والرواية من الإسرائيليات، والسدي معروف برواية الإسرائيليات.
(٣) كذا في (مح) و (حم) وفي الأصل: "وروايل".
(٤) كذا في تفسير ابن أبي حاتم، وفي الأصول: "نوح بن أبي شداد" وقد ترجم ابن أبي حاتم لعون بن أبي شداد (الجرح والتعديل ٣/ ٣٨٥).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه مع الخلاف السابق، وسنده حسن إلى عون.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة بنحوه.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده، =