للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقول محمد بن قيس: إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط (١).

وقول الكلبي: إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم (٢)، ضعيفان جدًا، وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما فلا يلتفت إلى ذلك، والله أعلم.

وقال وهب بن منبه: إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق (٣).

وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ أي: بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل، فإن يعقوب ولد إسحاق، كما قال في آية البقرة: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)[البقرة].

ومن ههنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به وأنه سيولد له يعقوب فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير؟ ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ووعد الله حق لا خلف فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه، فتعين أن يكون إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه، ولله الحمد.

﴿قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢)﴾ حكى قولها في هذه الآية كما حكى فعلها في الآية الأخرى فإنها ﴿قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ وفي الذاريات: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)﴾، كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجيب

﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي: قالت الملائكة لها: لا تعجبي من أمر الله، فإنه إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزًا عقيمًا وبعلك شيخًا كبيرًا، فإن الله على ما يشاء قدير ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ أي: هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمود ممجد في صفاته وذاته.

ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا: قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: "قولوا: اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد" (٤).


= وعبد الصمد ضعيف (لسان الميزان ٤/ ٢١).
(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق أبي معشر، وهو نجيح السندي عن محمد بن قيس. وقد ضعف الرواية الحافظ ابن كثير.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح عن الكلبي، وقد ضعف متنه الحافظ ابن كثير.
(٣) أخرجه الطبري من طريق عبد الصمد عن وهب، وردّه الحافظ ابن كثير.
(٤) أخرجه الشيخان من حديث كعب بن عجرة (صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٦] ح ٤٧٩٧)، وصحيح مسلم، الصلاة، باب الصلاة على النبي (ح ٤٠٦).