للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والأنبياء، فاتبعوه وصدقوه ووازروه ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة لأنهم الفرقة الناجية، كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن من طرق يشد بعضها بعضًا: "إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة"، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي". رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة (١).

وقال عطاء: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ يعني: اليهود والنصارى والمجوس ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ يعني الحنيفية (٢).

وقال قتادة: أهل رحمة الله أهل الجماعة وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم (٣).

وقوله: ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قال الحسن البصري في رواية عنه: وللاختلاف خلقهم (٤).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: خلقهم فريقين، كقوله: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ (٥) [هود: ١٠٥].

وقيل: للرحمة خلقهم (٦). قال ابن وهب: أخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن طاوس: أن رجلين اختصما إليه فأكثرا، فقال طاوس: اختلفتما وأكثرتما. فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا. فقال طاوس: كذبت. فقال: أليس الله يقول: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾. قال: لم يخلقهم ليختلفوا ولكن خلقهم للجماعة (٧) والرحمة. كما قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب (٨)، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة (٩)، ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)[الذاريات].

وقيل: بل المراد وللرحمة والاختلاف خلقهم، كما قال الحسن البصري في رواية عنه في قوله: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قال: الناس مختلفون على أديان شتى ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ فمن رحم ربك غير مختلف فقيل له: لذلك خلقهم؟ قال: خلق هؤلاء


(١) تقدم تخريجه وصحته في تفسير سورة يونس آية ٩٣.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء الخراساني، وطلحة متروك كما في التقريب.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن عبيد عن الحسن، وأخرجه ابن أبي حاتم والطبري بسند حسن من طريق مبارك عن الحسن.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم والطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب به، وسنده حسن.
(٨) أخرجه الطبري من طريق حفص بن عمر العدني عن الحكم به، وسنده ضعيف لضعف حفص.
(٩) قول مجاهد أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بعدة أسانيد يقوي بعضها بعضًا، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند فيه رجل مبهم، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.