للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لجنته وخلق هؤلاء لناره وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه (١). وكذا قال عطاء بن أبي رباح والأعمش (٢).

وقال ابن وهب: سألت مالكًا عن قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قال: فريق في الجنة وفريق في السعير (٣).

وقد اختار هذا القول ابن جرير وأبو عبيدة والفراء.

وعن مالك فيما روينا عنه من التفسير ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قال: للرحمة، وقال قوم: للاختلاف (٤).

وقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره لعلمه التام وحكمته النافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنة ومنهم من يستحق النار، وأنه لا بدّ أن يملأ جهنم من هذين الثَّقلين الجن والإنس، وله الحجة البالغة والحكمة التامة.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "اختصمت الجنة والنار، فقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم (٥)؟ وقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. فقال الله ﷿ للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: أنت عذابي أنتقم بك ممن أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما الجنة فلا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقًا يسكن فضل الجنة وأما النار فلا تزال تقول: هل من مزيد، حتى يضع عليها رب العزة قدمه فتقول: قط قط وعزتك" (٦).

﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠)﴾.

يقول تعالى: وكل أخبار نقصها عليك من أنباء الرسل المتقدمين من قبلك مع أممهم، وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات، وما احتمله الأنبياء من التكذيب والأذى، وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين.

كل هذا مما ﴿نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ أي: قلبك يا محمد ليكون لك بمن مضى من إخوانك من المرسلين أسوة.


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق منصور عبد الرحمن عن الحسن مقطعًا.
(٢) قول عطاء بن أبي رباح أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق طلحة بن عمرو عنه، وطلحة متروك كما في التقريب، وقول الأعمش أخرجه الطبري من طريق سفيان عنه.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أشهب عن مالك.
(٤) تقدم تخريج هذين القولين عن بعض التابعين في الروايات السابقة.
(٥) جمع ساقط وهو نازل المكانة الذي لا يؤبه به.
(٦) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠] (ح ٤٨٤٩)، وصحيح مسلم، صفة الجنة، باب "النار يدخلها الجبارون. . ." (ح ٢٨٤٦).