للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود" (١).

﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لولده يوسف: إنه كما اختارك ربك وأراك هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ أي: يختارك ويصطفيك لنبوته ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ قال مجاهد وغير واحد: يعني تعبير الرؤيا (٢).

﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ أي: بإرسالك والإيحاء إليك، ولهذا قال: ﴿كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ﴾ وهو الخليل ﴿وَإِسْحَاقَ﴾ ولده وهو الذبيح في قول، وليس بالرجيح (٣) ﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي: هو أعلم حيث يجعل رسالته، [كما قال في الآية الأخرى] (٤).

﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (٩) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠)﴾.

يقول تعالى: لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات، أي عبرة ومواعظ للسائلين عن ذلك المستخبرين عنه، فإنه خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه

﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ أي: حلفوا فيما يظنون والله ليوسف وأخوه، يعنون: بنيامين، وكان شقيقه لأمه ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي: جماعة، فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة؟ ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ يعنون في تقديمهما علينا، ومحبته إياهما أكثر منا.

واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾ [البقرة: ١٣٦] وهذا فيه احتمال لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم: الأسباط، كما يقال للعرب: قبائل، وللعجم: شعوب، يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالًا لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليلٌ على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم.


(١) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ٢٠/ ١٨٣)، وابن حبان (المجروحين ١/ ٣٢٢)، وأبو نعيم (الحلية ٦/ ٩٦)، من حديث معاذ، وفي سنده سعيد بن سلام متهم بالوضع، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: حديث منكر، لا يعرف له أصل، وآفته سعيد بن سلام العطار فهو كذاب (العلل ٢/ ٢٥٨ ح ٢٢٥٨)، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ٢/ ١٦٥.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) لأن الراجح هو إسماعيل .
(٤) الزيادة من (حم) و (مح).