للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ يقولون: هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم أعدموه من وجه أبيكم، ليخلوا لكم وحدكم، إما بأن تقتلوه أو تلقوه في أرض من الأراضي تستريحوا منه، وتخلوا أنتم بأبيكم ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ فأضمروا التوبة قبل الذنب.

﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ قال قتادة ومحمد بن إسحاق: وكان أكبرهم واسمه روبيل (١).

وقال السدي: الذي قال ذلك: يهوذا (٢).

وقال مجاهد: هو: شمعون (٣).

﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ أي: لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله، ولم يكن لهم سبيل إلى قتله، لأن الله تعالى كان يريد منه أمرًا لا بدّ من إمضائه وإتمامه من الإيحاء إليه بالنبوة، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب، وهو أسفله.

قال قتادة: وهي بئر بيت المقدس (٤). ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ﴾ أي: المارة من المسافرين فتستريحوا منه بهذا ولا حاجة إلى قتله ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ أي: إن كنتم عازمين على ما تقولون.

قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الضرع (٥) الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده، ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه ورقة عظمه، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلًا صغيرًا، وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمرًا عظيمًا. رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل عنه (٦).

﴿قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢)﴾.

لما تواطأوا على أخذه وطرحه في البئر كما أشار به عليهم أخوهم الكبير روبيل، جاءوا أباهم يعقوب فقالوا: ما بالك ﴿لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾ وهذه توطئة ودعوى، وهم يريدون خلاف ذلك لما له في قلوبهم من الحسد لحب أبيه له

﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا﴾ أي: ابعثه معنا ﴿غدًا نرتع ونلعب﴾ وقرأ بعضهم بالياء ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ (٧).


(١) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول ابن إسحاق أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سلمة بن الفضل عنه.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد، وابن جريج لم يسمع من مجاهد، وأخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف أيضًا من طريق رجل مبهم عن مجاهد.
(٤) أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة.
(٥) الضرع: الضعيف.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق.
(٧) القراءتان متواترتان.