للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عباس: يسعى وينشط (١)، وكذا قال قتادة [والضحاك] (٢) والسدي (٣) وغيرهم: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ يقولون: ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك.

﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (١٣) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن نبيه يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ أي: يشق علي مفارقته مدة ذهابكم به إلى أن يرجع، وذلك لفرط محبته له لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة والكمال في الخلق والخلق، صلوات الله وسلامه عليه.

وقوله: ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ يقول: وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون، فأخذوا من فمه هذه الكلمة، وجعلوها عذرهم فيما فعلوه، وقالوا مجيبين له عنها في الساعة الراهنة: ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ونحن جماعة إنا إذًا لهالكون عاجزون.

﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)﴾.

يقول تعالى: فلما ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ هذا فيه تعظيم لما فعلوه، أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب، وقد أخذوه من عند أبيه فيما يظهرونه له إكرامًا له، وبسطًا وشرحًا لصدره، وإدخالًا للسرور عليه، فيقال: إن [يعقوب] (٤) لما بعثه معهم ضمه إليه وقبّله ودعا له.

وذكر [السدي و] (٥) غيره: أنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه، ثم شرعوا يؤذونه بالقول من شتم ونحوه، والفعل من ضرب ونحوه، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه، فربطوه بحبل ودلوه فيه، فكان إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشتمه، وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة، فسقط في الماء فغمره، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه يقال لها: الراغوفة، فقام فوقها (٦).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن ابن عباس، وابن جريج لم يسمع من ابن عباس، ويتقوى بالآثار اللاحقة.
(٢) سقط في الأصل، واستدرك من (حم) و (مح).
(٣) قول قتادة أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق معمر عنه بلفظ: "يسعى ويلهو"، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر، بلفظ: "يتلهى ويلعب"، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، بنحوه.
(٤) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "يوسف".
(٥) الزيادة من (حم) و (مح).
(٦) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسندين ضعيفين بنحوه، والخبر من أخبار أهل الكتاب.