للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فعرف فضل يوسف ، وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه، وحسن أخلاقه على من ببلده من رعاياه، فقال: ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾ أي: أخرجوه من السجن وأحضروه، فلما جاءه الرسول بذلك امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ونزاهة عرضه مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه، بل كان ظلمًا وعدوانًا، فقال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾.

وقد وردت السنة بمدحه على ذلك والتنبيه على فضله وشرفه وعلو قدره وصبره، صلوات الله وسلامه عليه، ففي المسند والصحيحين من حديث الزهري عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠] الآية، ويرحم الله لوطًا كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي" (١).

وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي في قوله: ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ فقال رسول الله : "لو كنت أنا، لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العذر" (٢).

وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، [عن عكرمة] (٣) قال: قال رسول الله : "لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر" (٤)، هذا حديث مرسل.

وقوله تعالى: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ﴾ إخبار عن الملك حين جمع النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز، فقال مخاطبًا لهن كلهن وهو يريد امرأة وزيره، وهو العزيز، قال الملك للنسوة اللاتي قطعن أيديهن ﴿مَا خَطْبُكُنَّ﴾ أي: شأنكن وخبركن ﴿إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ﴾ يعني يوم الضيافة، ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ أي: قالت النسوة جوابًا للملك: حاش لله أن يكون يوسف متهمًا، والله ما علمنا عليه من سوء، فعند ذلك ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾.

قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: تقول: الآن تبين الحق وظهر وبرز، ﴿أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أي: في قوله: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ [يوسف: ٢٦]

﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ تقول: إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع، فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة


(١) مسند الإمام أحمد ٢/ ٣٢٦، وصحيح البخاري، تفسير سورة يوسف، باب ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ. . .﴾ [٥٠] (ح ٤٦٩٤)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة (ح ٢٣٨).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وحسّن سنده محققوه (المسند ١٤/ ٢٢٨ ح ٨٥٥٤).
(٣) سقط في الأصل، واستدرك من (حم) و (مح) وتفسير عبد الرزاق.
(٤) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسنده ومتنه، وسنده مرسل.