للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ تقول المرأة: ولست أبرئ نفسي، فإن النفس تتحدث وتتمنى، ولهذا راودته لأن ﴿النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ أي: إلا من عصمه الله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام.

وقد حكاه الماوردي في تفسيره (١)، وانتدب لنصره الإمام أبو العباس ابن تيمية (٢)، فأفرده بتصنيف على حدة، وقد قيل: إن ذلك من كلام يوسف يقول: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ في زوجته ﴿بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾. وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه (٣). وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه؟ ﴿قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾، قال يوسف: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ فقال جبريل : ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ (٤)، وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وابن أبي الهذيل والضحاك والحسن وقتادة والسدي (٥)، والقول الأول أقوى وأظهر، لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف عندهم، بل بعد ذلك أحضره الملك.

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)﴾.

يقول تعالى إخبارًا عن الملك حين تحقق براءة يوسف ونزاهة عرضه مما نسب إليه، قال: ﴿ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ أي: أجعله من [خاصتي] (٦) وأهل مشورتي ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ﴾ أي: خاطبه الملك، وعرفه، ورأى فضله وبراعته، وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال، قال له الملك: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ أي: إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة وأمانة، فقال يوسف : ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جهل أمره للحاجة، وذكر أنه ﴿حَفِيظٌ﴾ أي: خازن أمين، ﴿عَلِيمٌ﴾ ذو علم وبصر بما يتولاه.

وقال شيبة بن نعامة: حفيظ لما استودعتني، عليم بسني الجدب. رواه ابن أبي حاتم (٧).


(١) النكت والعيون ٢/ ٢٧٨.
(٢) ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٠/ ٢٩٨.
(٣) سيأتي ذكرها في الروايات التالية، وهي من الإسرائيليات.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده سماك وهو ابن حرب وروايته عن عكرمة فيها اضطراب، وإذا صحت فإنها من الإسرائيليات.
(٥) لم أجده عن مجاهد، وقد أخرجه الطبري بأسانيد صحاح عن سعيد بن جبير بنحوه، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي سنان عن ابن أبي الهذيل، وأخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عن الحسن وقتادة بنحوه، وقول عكرمة تقدم عن ابن عباس.
(٦) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "أخصاي".
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق إبراهيم بن مختار، عن شيبة بن نعامة.