للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١)﴾ أي: سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن، ولا نبقي مجهودًا لتعلم صدقنا فيما قلناه (١).

وذكر السدي أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم، وفي هذا نظر لأنه أحسن إليهم ورغبهم كثيرًا، وهذا لحرصه على رجوعهم،

﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ﴾ أي: غلمانه ﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ﴾ أي: التي قدموا بها ليمتاروا عوضًا عنها ﴿فِي رِحَالِهِمْ﴾ أي: في أمتعتهم من حيث لا يشعرون، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ بها.

قيل: خشي يوسف أن لا يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها.

وقيل: تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضًا عن الطعام، وقيل: أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجًا وتورعًا، لأنه يعلم ذلك منهم، والله أعلم.

﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٦٣) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤)﴾.

يقول الله تعالى عنهم: إنهم رجعوا إلى أبيهم ﴿قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ﴾ يعنون بعد هذه المرة، إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين لا نكتل، فأرسله معنا نكتل، وإنا له لحافظون، قرأ بعضهم بالياء، أي (يكتل) هو، ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي: لا تخف عليه فإنه سيرجع إليك، وهذا كما قالوا له في يوسف: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢)[يوسف] ولهذا قال لهم: ﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي: هل أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه من قبل، تغيبونه عني، وتحولون بيني وبينه؟ ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا﴾ وقرأ بعضهم ﴿حفِظًا﴾ (٢) ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أي: هو أرحم الراحمين بي، وسيرحم كبري وضعفي ووجدي بولدي، وأرجو من الله أن يرده علي ويجمع شملي به، إنه أرحم الراحمين.

﴿وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦)﴾.

يقول تعالى: ولما فتح إخوة يوسف متاعهم، وجدوا بضاعتهم رُدَّت إليهم، وهي التي كان أمر يوسف فتيانه بوضعها في رحالهم، فلما وجدوها في متاعهم ﴿قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي﴾ أي: ماذا نريد ﴿هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾، [كما قال قتادة: ما نبغي وراء هذا، إن بضاعتنا رُدَّت إلينا] (٣) وقد أوفى لنا الكيل (٤)، ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ أي: إذا أرسلت أخانا معنا نأتي بالميرة إلى أهلنا،


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بنحوه من طريقين عن أسباط عن السدي، وهذا من الطريقان يقوي أحدهما الآخر.
(٢) وهاتان قراءتان متواترتان.
(٣) الزيادة من (حم) و (مح) وتفسير الطبري.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.