للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: لذو علم لتعليمنا إياه ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (١).

﴿وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩)﴾.

يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين، وأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته، وأفاض عليهم الصلة والألطاف والإحسان، واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له، وعرفه أنه أخوه، وقال له: لا تبتئس؛ أي: لا تأسف على ما صنعوا بي، وأمره بكتمان ذلك عنهم، وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززًا مكرّمًا معظمًا.

﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (٧٠) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢)﴾.

لما جهزهم وحمل لهم أبعرتهم طعامًا، أمر بعض فتيانه أن يضع السقاية، وهي إناء من فضة في قول الأكثرين، وقيل: من ذهب - قاله ابن زيد - كان يشرب فيه (٢)، ويكيل للناس به من عزة الطعام إذ ذاك، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد (٣).

وقال شعبة، عن أبي بشر، وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: صواع الملك، قال: كان من فضة يشربون فيه، وكان مثل المكوك (٤)، وكان للعباس مثله في الجاهلية (٥)، فوضعها في متاع بنيامين من حيث لا يشعر أحد، ثم نادى منادٍ بينهم ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ فالتفتوا إلى المنادي وقالوا: ﴿مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١)

﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ﴾ أي: صاعه الذي يكيل به ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ وهذا من باب الجعالة (٦)، ﴿وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ وهذا من باب الضمان والكفالة (٧).


= أخرجه ابن أبي حاتم والطبري بسند صحيح من طريق سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة كسابقه، ولم يذكر الثوري، ولا يضر فكلاهما ثقة.
(١) ذكره الطبري بلفظه.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب، وهو عبد الله، عن ابن زيد، وهو عبد الرحمن.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، ويتقوي بما يليه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه شيخ الطبري مبهم، وقول عبد الرحمن بن زيد تقدم في الحاشية السابقة.
(٤) المكوك: اسم للمكيال، يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد (النهاية ٤/ ٣٥٠).
(٥) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق شعبة به وصحح سنده الحافظ ابن حجر (تغليق التعليق ٤/ ٢٢٨ - ٢٩٩).
(٦) الجعالة: هي التزام عوض معلوم على عمل معين بقطع النظر عن فاعله، وقد استدل الفقهاء بهذه الآية ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ [يوسف: ٧٢] في مشروعية الجعالة (ينظر: الفقه الميسر ص ٢٦٣).
(٧) الكفالة: هي التزام إحضار من عليه حق مالي لربه، إلى مجلس الحكم، وقد استدل الفقهاء بالآية السابقة على مشروعيتها (المصدر السابق ص ٢٣٤).