للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مِنْ قَبْلُ﴾ يتنصَّلون إلى العزيز من التشبه به، ويذكرون أن هذا فعل كما فعل أخ له من قبل، يعنون به يوسف .

قال سعيد بن جبير [و] (١) قتادة: كان يوسف قد سرق صنمًا لجده أبي أمه فكسره (٢).

وقال محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان أول ما دخل على يوسف من البلاء فيما بلغني أن عمته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت عندها منطقة (٣) إسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختبأها ممن وليها كان له سلمًا لا ينازع فيه، يصنع فيه ما يشاء، وكان يعقوب حين ولد له يوسف قد حضنته عمته، وكان لها به وَلَه، فلم تحب أحدًا حبها إياه حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات، تاقت إليه نفس يعقوب ، فأتاها فقال: يا أخية سلمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة. قالت: فوالله ما أنا بتاركته، ثم قالت: فدعه عندي أيامًا أنظر إليه، وأسكن عنه لعل ذلك يسليني عنه، أو كما قالت، فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتمست، ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسلم، أصنع فيه ما شئت، فأتاه يعقوب، فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذلك، إن كان فعل ذلك فهو سلم لك، ما أستطيع غير ذلك، فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت، قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ (٤).

وقوله: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ﴾ يعني: الكلمة التي بعدها، وهي قوله: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ أي: تذكرون، قال هذا في نفسه ولم يبده لهم، وهذا من باب الإضمار قبل الذكر، وهو كثير، كقول الشاعر (٥):

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر … وحسن فعل كما يُجزي سنمّار (٦)

وله شواهد كثيرة في القرآن والحديث واللغة في منثورها وأخبارها وأشعارها.

قال العوفي، عن ابن عباس ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ﴾ قال: أسر في نفسه ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ (٧).


(١) كذا في (حم) و (مح) والتخريج وفي الأصل: "عن".
(٢) قول سعيد بن جبير أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند فيه الفيض بن الفضل سكت عنه البخاري (التاريخ الكبير ٤/ ١٤٠)، وابن أبي حاتم (الجرح والتعديل ٦/ ٨٨)، وضعفه البسوي وقال: لا يفرح بحديثه (المعرفة والتاريخ ٣/ ٥٨)، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عنه.
(٣) المِنطقة: كل ما يشد به الوسط كالنطاق.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق به، وسنده حسن.
(٥) هو سليط بن سعد كما في حاشية خزانة الأدب ٢/ ٤٩٥.
(٦) هذا البيت ذكره ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك برقم ١٥٣، والشاهد فيه أنه قد اتصل بالفاعل المتقدم ضمير يعود إلى المفعول المتأخر للضرورة الشعرية، والأصل أن يقال: جزى أبا الغيلان بنوه …
(٧) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق العوفي به.