للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (٧٩)﴾.

لما تعيَّن أخذ بنيامين وتقرر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم، شرعوا يترققون له ويعطفونه عليهم فـ ﴿قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا﴾ يعنون وهو يحبه حبًا شديدًا ويتسلى به عن ولده الذي فقده ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ أي: بدله يكون عندك عوضًا عنه، ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: العادلين المنصفين القابلين للخير،

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ﴾ أي: كما قلتم واعترفتم ﴿إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ﴾ أي: إن أخذنا بريئًا بسقيم.

﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (٨١) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٨٢)﴾.

يخبر تعالى عن إخوة يوسف أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين الذي قد التزموا لأبيهم بردِّه إليه، وعاهدوه على ذلك، فامتنع عليهم ذلك ﴿خَلَصُوا﴾ أي: انفردوا عن الناس ﴿نَجِيًّا﴾ يتناجون فيما بينهم ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ﴾ وهو روبيل، وقيل: يهوذا، وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر عندما هموا بقتله، قال لهم: ﴿أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ﴾ لتردنَّه إليه فقد رأيتم كيف تعذر عليكم ذلك مع ما تقدم لكم من إضاعة يوسف عنه ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ﴾ أي: لن أفارق هذه البلدة ﴿حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي﴾ في الرجوع إليه راضيًا عني ﴿أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ قيل: بالسيف، وقيل: بأن يمكنني من أخذ أخي ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾،

ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع، حتى يكون عذرًا لهم عنده، ويتنصلوا إليه ويبرؤا مما وقع بقولهم وقوله: ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾.

قال قتادة وعكرمة: ما نعلم أن ابنك سرق (١).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما علمنا في الغيب أنه يسرق له شيئًا، إنما سألنا ما جزاء السارق (٢)؟

﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ قيل: المراد مصر. قاله قتادة (٣)، وقيل غيرها (٤)، ﴿وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ أي: التي رافقناها، عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا، ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فيما أخبرناك به من أنه سرق وأخذوه بسرقته.


(١) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول عكرمة أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق يزيد النحوي عنه.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق الفرج بن أصبغ عن عبد الرحمن بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد أنها حمير.