للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كتب إلى يوسف لما احتبس أخاه بسبب السرقة يتلطف له في ردِّ ابنه، ويذكر له أنهم أهل بيت مصابون بالبلاء، فإبراهيم ابتلي بالنار، وإسحاق بالذبح، ويعقوب بفراق يوسف … في حديث طويل لا يصح، والله أعلم.

فعند ذلك رقَّ له بنوه، وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه: ﴿تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ أي: لا تفارق تذكر يوسف ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾ أي: ضعيف القوة ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ يقولون: إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف

﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ أي: أجابهم عما قالوا بقوله: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي﴾ أي همّي وما أنا فيه ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ وحده، ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: أرجو منه كل خير.

وعن ابن عباس: ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ يعني رؤيا يوسف أنها صدق (١)، وأن الله لا بدّ أن يظهرها، وقال العوفي عنه في الآية: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأني سوف أسجد له (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا يحيى بن عبد الملك [بن أبي غنية] (٣)، عن حفص بن عمر بن أبي الزبير، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "كان ليعقوب النبي أخ مؤاخ له، فقال له ذات يوم: ما الذي أذهب بصرك، وقوس ظهرك؟ قال: أما الذي أذهب بصري فالبكاء على يوسف، وأما الذي قوس ظهري فالحزن على بنيامين، فأتاه جبريل فقال: يا يعقوب إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أما تستحي أن تشكوني إلى غيري؟ فقال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فقال جبريل : الله أعلم بما تشكو" (٤). وهذا حديث غريب فيه نكارة.

﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (٨٧) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن يعقوب : إنه ندب بنيه على الذهاب في الأرض يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين، والتحسس يكون في الخير، والتجسس يكون في الشر، ونهضهم وبشرهم وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله، أي لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

وقوله: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ تقدير الكلام: فذهبوا فدخلوا مصر، ودخلوا على يوسف ﴿قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ يعنون من الجدب والقحط وقلة الطعام، ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾ أي: ومعنا ثمن الطعام


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس.
(٢) هو الأثر السابق بلفظه.
(٣) كذا في (حم) و (مح) وتفسير ابن أبي حاتم، وفي الأصل صحفت إلى: "ابن أبي عنبة".
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وضعفه الحافظ ابن كثير، وأخرجه الحاكم من طريق يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٤٨، ٣٤٩)، ولكن الغرابة في آخره ترجح نقد الحافظ ابن كثير.