للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن القاسم عنه (١). وقال ابن جرير: حدثنا الحارث، حدثنا القاسم، حدثنا مروان بن معاوية، عن عثمان بن الأسود، سمعت مجاهدًا وسئل: هل يكره أن يقول الرجل في دعائه: اللهم تصدّق عليَّ؟ قال: نعم، إنما الصدقة لمن يبتغي الثواب (٢).

﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (٨٩) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن يوسف ، أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء فتعرف إليهم، فيقال: إنه رفع التاج عن جبهته، وكان فيها شامة، وقال: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (٨٩)﴾ يعني: كيف فرقوا بينه وبين أخيه ﴿إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ أي: إنما حملكم على هذا الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه، كما قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل، وقرأ ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١١٩]، والظاهر - والله أعلم - أن يوسف إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك، والله أعلم، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر، فرج الله تعالى من ذلك الضيق، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦)[الشرح] فعند ذلك قالوا: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ﴾؟ وقرأ أُبي بن كعب (إنك لأنت يوسف) (٣)، وقرأ ابن محيصن (أنت يوسف) (٣)، والقراءة المشهورة هي الأولى، لأن الاستفهام يدل على الاستعظام، أي أنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر وهم لا يعرفونه وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾.

وقوله: ﴿قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ أي: بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)

﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾، يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق والسعة والملك والتصرف والنبوة أيضًا، على قول من لم يجعلهم أنبياء، وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطأوا في حقه

﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ يقول: أي لا تأنيب عليكم ولا عتب عليكم اليوم، ولا أعيد عليكم ذنبكم في حقي بعد اليوم، ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال: ﴿يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف لإبهام شيخ سفيان بن عيينة.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه سعيد بن منصور بسند حسن من طريق عثمان به (السنن، التفسير رقم ١١٤٣).
(٣) وهي قراءة شاذة.