للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خيرًا لي" (١) [ورواه البخاري ومسلم في الصحيحين، وعندهما: "لا يتمنيَّن أحدكم الموت لضرِّ نزل به إما محسنًا فيزداد، وإِما مسيئًا فلعله يستعتب، ولكن ليقل: اللَّهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إِذا كانت الوفاة خيرًا لي"] (٢).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن رفاعة، حدثني علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أُمامة قال: جلسنا إلى رسول الله فذكرنا ورققنا، فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء، وقال: يا ليتني مت، فقال النبي : "يا سعد أعندي تتمنى الموت؟ " فردَّد ذلك ثلاث مرات، ثم قال: "يا سعد إن كنت خلقت للجنة، فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو يونس، وهو: سليم بن جبير، عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: "لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضرٍّ نزل به ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله، فإِنه إِذا مات أحدكم انقطع عنه عمره، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا" (٤) تفرد به أحمد.

وهذا فيما إذا كان الضر خاصًا به، وإما إِذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت، كما قال الله تعالى إِخبارًا عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل قالوا: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٦] وقالت مريم لما أجاءها المخاض، وهو الطلق، إلى جذع النخلة: ﴿يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] لما تعلم من أن الناس يقذفونها بالفاحشة، لأنها لم تكن ذات زوج، وقد حملت ووضعت، وقد قالوا: ﴿يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم] فجعل الله لها من ذلك الحال فرجًا ومخرجًا، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله، فكان آية عظيمة، ومعجزة باهرة - صلوات الله وسلامه عليه. وفي حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي في قصة المنام والدعاء الذي فيه: "وإِذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون" (٥).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سلمة، أنبأنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد مرفوعًا، أن النبي قال: "اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتن، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب" (٦). فعند


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ١٠١) وسنده صحيح.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم كلاهما من طريق إسماعيل بن إبراهيم به، (صحيح البخاري، الدعوات، باب الدعاء بالموت والحياة ح ٦٣٥١، وصحيح مسلم، الذكر والدعاء، باب كراهية تمني الموت … ح ٢٦٨٠).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٦/ ٦٢٧ ح ٢٢٢٩٣)، وقال محققوه: إسناده ضعيف جدًا، وقال الهيثمي: وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف (مجمع الزوائد ١٠/ ٢٠٦).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٣٥٠) وفي سنده ابن لهيعة وقد توبع إذ أخرجه مسلم من طريق معمر عن همام عن أبي هريرة بنحوه (صحيح مسلم، الذكر والدعاء، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به ح ٢٦٨٢).
(٥) أخرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث معاذ المسند (٥/ ٣٤٣)، وسنن الترمذي، التفسير، سورة ص (ح ٣٢٣٥) وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٥٨٢).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وقال محققوه: إسناده جيد (المسند ٣٩/ ٣٦ ح ٢٣٦٢٥).