للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن شداد: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنسانًا: صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف (١).

﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)﴾.

هذا دعاء من يوسف الصديق، دعا به ربه ﷿ لما تمت نعمة الله عليه باجتماعه بأبويه وإخوته، وما منّ الله به عليه من النبوة والملك سأل ربه ﷿ كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن يستمر بها عليه في الآخرة، وأن يتوفاه مسلمًا حين يتوفاه، قاله الضحاك (٢)، وأن يلحقه بالصالحين وهم إخوانه من النبيين والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف ، قاله عند احتضاره، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله جعل يرفع أصبعه عند الموت ويقول: "اللَّهم في الرفيق الأعلى، اللَّهم في الرفيق الأعلى، اللَّهم في الرفيق الأعلى" (٣)، ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا جاء أجله، وانقضى عمره، لا أنه سأله ذلك منجزًا كما يقول الداعي لغيره: أماتك الله على الإسلام، ويقول الداعي: اللهم [أحينا] (٤) مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، ويحتمل أنه سأل ذلك منجزًا، وكان ذلك سائغًا في ملتهم، كما قال قتادة قوله: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ لما جمع الله شمله وأقرّ عينه، وهو يومئذٍ مغمور في الدنيا وملكها ونضارتها، اشتاق إلى الصالحين قبله.

وكان ابن عباس يقول: ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف ، وكذا ذكر [ابن جريج] (٥) والسدي عن ابن عباس أنه أول نبي دعا بذلك (٦)، وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام، كما أن نوحًا أول من قال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا﴾ [نوح: ٢٨] ويحتمل أنه أول من سأل إنجاز ذلك، وهو ظاهر سياق قول قتادة، ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا.

قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضرِّ نزل به فإن كان ولا بدّ متمنيًا الموت، فليقل: اللَّهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة


(١) أخرجه الطبري من طريق موسى بن عبيدة به بنحوه، وسنده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك، بلفظ: على طاعتك، وأخرجه الطبري من الطريق السابق ولكن فيه إبهام شيخ الطبري بلفظ: توفني على طاعتك واغفر لي إذا توفيتني.
(٣) صحيح البخاري، المغازي، باب مرض النبي ووفاته (ح ٤٤٣٧)، وصحيح مسلم، فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة (ح ٢٤٤٤).
(٤) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل صحفت إلى: "أمتنا".
(٥) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل صحفت إلى: "ابن جرير".
(٦) قول ابن جريج أخرجه الطبري بسند فيه الحسين، وهو ابن داود وهو ضعيف، وقول السدي عن ابن عباس أخرجه الطبري من طريق أسباط عن السدي به، والسدي لم يسمع من ابن عباس.