للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من أهل السماء كما قلتم (١)، وهذا القول من ابن عباس يعتضد بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ الآية [الفرقان: ٢٠]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)[الأنبياء]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ الآية [الأحقاف: ٩].

وقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ المراد بالقرى المدن لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباعًا وأخلاقًا، وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعًا وألطف من أهل سوادهم، وأهل الريف والسواد أقرب حالًا من الذين يسكنون في البوادي، ولهذا قال تعالى: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩٧].

وقال قتادة في قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾: لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمود (٢) (٣).

وفي الحديث الآخر: أن رجلًا من الأعراب أهدى لرسول الله ناقة فلم يزل يعطيه ويزيده حتى رضي، فقال رسول الله : "لقد هممت أن لا أتَّهِب (٤) هبة إِلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي" (٥).

وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب، عن شيخ من أصحاب رسول الله قال الأعمش: هو ابن عمر، عن النبي أنه قال: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" (٦).

وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [يعني هؤلاء المكذبين لك يا محمد في الأرض ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: من الأمم المكذبة للرسل، كيف دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها، كقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ] (٧) فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]، فإذا استمعوا خبر ذلك رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين، وهذه كانت سنته تعالى في خلقه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أي: وكما نجينا المؤمنين في الدنيا كذلك كتبنا لهم


(١) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك به، وسنده ضعيف لضعف بشر، ولأن الضحاك لم يلق ابن عباس، وقواه الحافظ ابن كثير بالآية التي تليه.
(٢) أهل العمود: أي أهل الخيام الذين لا قرار لهم.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) لا أتَّهِب: أي أن لا أقبل الهبة إلا من هؤلاء.
(٥) أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس بنحوه بدون ذكر أو دوسي، وصحح سنده محققوه (المسند ٤/ ٤٢٤ ح ٢٦٨٧)، وأخرجه أبو داود بنحوه وذكر: أو دوسيًا، (السنن، الإجازة، باب في قبول الهدايا ح ٣٥٣٧)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٠٢١).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده بنحوه (المسند ٩/ ٦٤ ح ٥٠٢٢)، وصحح سنده محققوه، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ح ٣٨٨)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ح ٣٠٠) وفي السلسلة الصحيحة (ح ٩٣٩)، وحسّنه الحافظ ابن حجر (فتح الباري ١٠/ ٥١٢).
(٧) ما بين معقوفين سقط في الأصل، واستدرك من (حم) و (مح).