للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النجاة في الدار الآخرة أيضًا وهي خير لهم من الدنيا بكثير، كقوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢)[غافر] وأضاف الدار إلى الآخرة، فقال: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾ كما يقال: صلاة الأولى ومسجد الجامع، وعام أول، وبارحة الأولى، ويوم الخميس. وقال الشاعر:

أتمدحُ فقعسًا وتذم عبسًا … ألا لله أمَّكَ من هجين (١)

ولو أقوت (٢) عليك ديار … عبس عرفت الذل عرفان اليقين (٣)

﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)﴾.

يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه، كقوله تعالى: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤].

وفي قوله: ﴿كُذِبُوا﴾ قراءتان إحداهما بالتشديد ﴿قد كُذِّبوا﴾ (٤)، وكذلك كانت عائشة تقرؤها.

قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ قال: قلت: أكُذِبوا أم كُذِّبوا؟ قالت عائشة: كذِّبوا. قلت: فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم فما هو بالظن؟ قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك، فقلت لها: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم، جاء نصر الله عند ذلك، حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعبة، عن الزهري قال: أخبرنا عروة فقلت لها: لعلها قد كذبوا مخففة؟ قالت: معاذ الله (٥). انتهى ما ذكره.

وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها (وظنوا أنهم قد كذَبوا) خفيفة. قال عبد الله - هو ابن أبي مليكة -: ثم قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا، ثم تلا ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤] قال ابن جريج: وقال لي ابن أبي مليكة، وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: ما وعد الله محمدًا من شيء إلا قد علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم


(١) الهجين: ولد العربي لغير العربية.
(٢) أقوت الدار: أقفرت وخلت من سكانها.
(٣) ذكره الفراء في معاني القرآن ٢/ ٥٦ والطبري.
(٤) والقراءة الأخرى بالتخفيف: (كُذِبوا)، وكلتاهما متواترتان.
(٥) أخرجه البخاري بسنديه ومتنيه (الصحيح، التفسير سورة يوسف، باب ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ [يوسف: ١١٠] ح ٤٦٩٥ و ٤٦٩٦).