للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي: حسبي الله هو الشاهد علي وعليكم؛ شاهد علي فيما بلغت عنه من الرسالة، وشاهد عليكم أيها المكذبون فيما تفترونه من البهتان.

وقوله: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ قيل: نزلت في عبد الله بن سلام. قاله مجاهد (١)، وهذا القول غريب، لأن هذه الآية مكية، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي المدينة، والأظهر في هذا ما قاله العوفي عن ابن عباس قال: هم من اليهود والنصارى (٢).

وقال قتادة: منهم ابن سلام وسلمان وتميم الداري (٣).

وقال مجاهد في رواية عنه: هو الله تعالى (٤).

وكان سعيد بن جبير ينكر أن يكون المراد عبد الله بن سلام ويقول: هي مكية، وكان يقرؤها (ومن عنده عُلِمَ الكتابُ) ويقول: من عند الله (٥)، وكذا قرأها مجاهد والحسن البصري (٦).

وقد روى ابن جرير من حديث هارون الأعور عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أن رسول الله قرأها ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾، ثم قال: لا أصل له من حديث الزهري عند الثقات (٧). قلت: وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده من طريق هارون بن موسى هذا، عن سليمان بن أرقم (٨)، وهو ضعيف، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعًا كذلك ولا يثبت، والله أعلم، والصحيح في هذا أن ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد ونعته في كتبهم المتقدمة من بشارات الأنبياء به، كما قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ الآية [الأعراف] وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧)﴾ الآية [الشعراء]، وأمثال ذلك مما فيه الإخبار عن علماء بني إسرائيل أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة. وقد ورد في حديث الأحبار عن عبد الله بن سلام بأنه أسلم بمكة قبل الهجرة.

قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب دلائل النبوة، وهو كتاب جليل: حدثنا سليمان بن


(١) أخرجه الثوري والطبري بسند ضعيف من طريق ليث، وهو ابن أبي سليم، عن مجاهد، ونقد متنه الحافظ ابن كثير، والصحيح عن مجاهد ما سيأتي بعد روايتين.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق الحكم، وهو ابن عتيبة عن مجاهد.
(٥) أخرجه سعيد بن منصور (السنن، التفسير رقم ١١٧٧)، والطبري بسند صحيح من طريق أبي بشر، وهو جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير. والقراءة المذكورة شاذة تفسيرية.
(٦) وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق الحكم بن عتيبة عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عنه.
(٧) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وتعليقه بنحوه، وسنده ضعيف، لأن فيه الحسين وهو ابن داود وهو ضعيف، وأخرجه أبو عمر الدوري من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري به (قراءات النبي ح ٧١ بتحقيقي) وسنده ضعيف أيضًا لضعف سليمان بن أرقم.
(٨) مسند أبي يعلى (٥٥٧٤).