للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد: نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض (١).

وقال الشعبي: لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك (٢)، ولكن تنقص الأنفس والثمرات (٣)، وكذا قال عكرمة: لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكانًا تقعد فيه، ولكن هو الموت (٤).

وقال ابن عباس في رواية: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها (٥)، وكذا قال مجاهد أيضًا: هو موت العلماء (٦).

وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ سكن أصبهان، حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق، أنشدنا أبو بكر الآجري بمكة قال: أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه:

الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها … متى يمُتْ عالم منها يمُت طرف

كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلَّ … بها وإن أبى عاد في أكنافها التلف

والقول الأول أولى، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية [كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى﴾ الآية [الأحقاف: ٢٧]، وهذا اختيار ابن جرير] (٧).

﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ برسلهم، وأرادوا إخراجهم من بلادهم، فمكر الله بهم وجعل العاقبة للمتقين، كقوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)[الأنفال]، وقوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ الآية [النمل].

وقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ أي: أنه تعالى عالم بجميع السرائر والضمائر وسيجزي كل عامل بعلمه (وسيعلم الكافر)، وقرئ ﴿الْكُفَّارُ﴾ (٨)، ﴿لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ أي: لمن تكون الدائرة والعاقبة لهم أو لأتباع الرسل، كلا، بل هي لأتباع الرسل في الدنيا والآخرة، ولله الحمد والمنة.

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣)﴾.

يقول تعالى: يكذبك هؤلاء الكفار ويقولون: ﴿لَسْتَ مُرْسَلًا﴾ أي: ما أرسلك الله ﴿قُلْ كَفَى


(١) أخرجه الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا بنحوه.
(٢) أي: مكان قضاء الحاجة.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه ابن وكيع، وهو سفيان، وفيه مقال.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق الزبير بن الخريت عن عكرمة.
(٥) أخرجه الطبري والحاكم من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس، وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بأن طلحة بن عمرو: متروك (المستدرك ٢/ ٣٥٠) ويتقوى بالأثر التالي.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق منصور عن مجاهد.
(٧) زيادة من (حم) و (مح).
(٨) وكلتاهما قراءتان متواترتان.