للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في الأرض ولا في السماء (١)،

ثم حمد ربه ﷿ على ما رزقه من الولد بعد الكبر، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩)﴾ أي: إنه يستجيب لمن دعاه، وقد استجاب لي فيما سألته من الولد،

ثم قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ﴾ أي: محافظًا عليها مقيمًا لحدودها ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أي: واجعلهم كذلك مقيمين لها ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ أي: فيما سألتك فيه كله

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ وقرأ بعضهم: (ولوالِدي) بالإفراد (٢)، وكان هذا قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبين له عداوته لله ﷿ ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: كلهم ﴿يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ أي: يوم تحاسب عبادك فتجازيهم بأعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ﴾ يا محمد غافلًا عما يعمل الظالمون؛ أي: لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم لا يعاقبهم على صنعهم، بل هو يحصي ذلك ويعدُّه عليهم عدًّا ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ أي: من شدة الأهوال يوم القيامة،

ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إلى قيام المحشر، فقال: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ أي: مسرعين، كما قال تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: ٨] وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ] (٣) الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] إلى قوله: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١]، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا﴾ الآية [المعارج: ٤٣].

وقوله: ﴿مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: رافعي رؤوسهم (٤). ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ أي: أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر، لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم، عياذًا بالله العظيم من ذلك، ولهذا قال: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ أي: وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل والخوف. ولهذا قال قتادة وجماعة: إن أمكنة أفئدتهم خالية (٥)، لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف. وقال بعضهم: ﴿هَوَاءٌ﴾ خراب لا تعي شيئًا لشدة ما أخبر به تعالى عنهم، ثم قال تعالى لرسوله :

﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب: ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ


(١) ذكره الطبري بمعناه.
(٢) وهي قراءة شاذة.
(٣) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (حم) و (مح).
(٤) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، يتقوى بقول مجاهد الذي أخرجه الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.