للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ كما قال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠)[المؤمنون]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَاأَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠)[المنافقون]، وقال تعالى مخبرًا عنهم في حال محشرهم: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)[السجدة]، وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨)[الأنعام]، وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)[فاطر]، قال تعالى ردًا عليهم في قولهم هذا: ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ أي: أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا معاد ولا جزاء فذوقوا هذا بذاك.

قال مجاهد وغيره: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ أي: ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، كما أخبر عنهم تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ [النحل: ٣٨] (١)،

﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (٤٥)﴾ أي: قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر، ولم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجر ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥)[القمر].

وقد روى شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن أن عليًا قال في هذه الآية ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ قال: أخذ ذاك الذي حاجَّ إبراهيم في ربه نسرين صغيرين، فرباهما حتى استغلظا واستفحلا وشبَّا، قال: فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت وجوَّعهما، وقعد هو ورجل آخر في التابوت، قال: ورفع في التابوت عصًا على رأسه اللحم فطارا، وجعل يقول لصاحبه: انظر ما ترى؟ قال: أرى كذا وكذا حتى قال: أرى الدنيا كلها كأنها ذباب. قال: فصوب العصا، فصوبها فهبطا جميعًا، قال: فهو قوله ﷿: (وإن كاد (٢) مكرهم لتزول (٣) منه الجبال) (٤).

قال أبو إسحاق: وكذلك هي قراءة عبد الله (وإن كاد مكرهم) (٥).

قلت: وكذا روي عن أُبي بن كعب وعمر بن الخطاب أنهما قرآ (وإن كاد) (٦) كما قرأ


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد، وابن جريج لم يسمع من مجاهد، وفيه أيضًا الحسين وهو ابن داود وهو ضعيف.
(٢) هذه القراءة شاذة تفسيرية.
(٣) وهي قراءة متواترة.
(٤) أخرجه الطبري من طريق محمد بن جعفر عن شعبة به بنحوه، وفي سنده عبد الرحمن وهو ابن أذُنان ذكره البخاري (التاريخ الكبير ٥/ ٢٥٥)، وابن أبي حاتم (الجرح والتعديل ٥/ ٢١٠) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في الثقات (٥/ ٨٧).
(٥) (٦) هذه القراءة نسبها أبو حيان إلى أُبي بن كعب وعمر بن الخطاب وأبي إسحاق السبيعي وابن مسعود (البحر المحيط ٥/ ٤٣٧) وهي قراءة شاذة تفسيرية.