للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

علي، وكذا رواه سفيان الثوري وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن [أذنان] (١)، عن علي … فذكر نحوه (٢)، وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة للنمروذ ملك كنعان أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر، كما رام فرعون ملك القبط في بناء الصرح فعجزا وضعفا، وهما أقل وأحقر وأصغر وأدحر.

وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر، وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها، نودي أيها الطاغية أين تريد؟ ففرق ثم سمع الصوت فوقه، فصوب الرماح فصوبت النسور، ففزعت الجبال من هدتها، وكادت الجبال أن تزول من حسِّ ذلك، فذلك قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (٣).

ونقل ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها (لَتزولُ منه الجبال) بفتح اللام الأولى وضم الثانية (٤)، وروى العوفي عن ابن عباس في قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال (٥). وكذا قال الحسن البصري (٦)، ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم به، ما ضر شيئًا من الجبال ولا غيرها، وإِنما عاد وبال ذلك عليهم.

قلت: ويشبه هذا قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (٣٧)[الإسراء]، والقول الثاني في تفسيرها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ يقول: شركهم، كقوله: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ الآية [مريم: ٩٠] (٧)، وهكذا قال الضحاك وقتادة (٨).

﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)﴾.

يقول تعالى مقررًا لوعده ومؤكدًا: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ أي: من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ثم أخبر تعالى أنه ذو عزة لا يمتنع عليه شيء أراده ولا يغالب، وذو انتقام ممن كفر به وجحده ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١)[الطور]، ولهذا قال: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ أي: وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض، وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حازم، عن سهل بن


(١) كذا في تفسير الطبري وكذا تُرجم له كما تقدم، وفي الأصل صحّف إلى: "أرباب".
(٢) أخرجه الطبري من طريق سفيان به، وفيه عبد الرحمن بن أذنان تقدم.
(٣) أخرجه الطبري من طريق أبي نجيح عن مجاهد بنحوه، وسنده صحيح إلى مجاهد لكنه مرسل.
(٤) قد أخرجه الطبري بسنده ضعيف عن ابن جريج به والقراءة متواترة كما تقدم.
(٥) سنده ضعيف لضعف العوفي والرواة عنه.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عن الحسن.
(٧) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٨) قول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عنه، ويتقوى بسابقه ولاحقه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.