للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رجل، عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء، فأنزل الله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)(١).

وقد ورد فيه حديث غريب جدًا، فقال ابن جرير: حدثني محمد بن موسى الجرشي، حدثنا نوح بن قيس، حدثنا عمرو بن قيس، حدثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف النبي امرأة حسناء، قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط، وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا، يعني لئلا يروها، وبعض يستأخرون، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم، فأنزل الله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)(٢)، وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره، ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما، وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني (٣)، وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما، وحكي عن ابن معين تضعيفه، وأخرجه مسلم وأهل السنن، وهذا الحديث فيه نكارة شديدة، وقد رواه عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك، وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ﴾ في الصفوف في الصلاة ﴿الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ (٤). فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط، ليس فيه لابن عباس ذكر، وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح بن قيس، والله أعلم، وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر، عن أبيه أنه سمع [عون] (٥) بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)﴾ وأنها في صفوف الصلاة، فقال محمد بن كعب: ليس هكذا ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ﴾ الميت والمقتول ﴿الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ من يخلق بعد ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥)﴾ فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيرًا (٦).

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (٢٧)﴾.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: المراد بالصلصال ههنا التراب اليابس (٧)، والظاهر أنه كقوله تعالى:


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإبهام الراوي عن مروان بن الحكم.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ومشده ضعيف، نوح بن قيس: صدوق رمي بالتشيع (التقريب ص ٥٦٧) وروايته هذه مردودة لأنها لا تليق بمقام الصحابة وقد تفرد بها.
(٣) المسند ١/ ٣٠٥، وسنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة الحجر (ح ٣١٢٢)، والسنن الكبرى، التفسير (ح ١١٢٧٣)، وسنن ابن ماجه، إقامة الصلاة، باب الخشوع في الصلاة (ح ١٠٤٦).
(٤) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وفي سنده أيضًا جعفر بن سليمان، وهو الضُّبعي وهو صدوق لكنه كان يتشيع (التقريب ص ١٤٠) وسنده كسابقه.
(٥) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل صحّف إلى: "عروب".
(٦) أخرجه الطبري من طريق محمد بن أبي معشر، به، وسنده ضعيف لضعف أبي معشر وهو نجيح بن عبد الرحمن، وفيه أيضًا إرسال محمد بن كعب.
(٧) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير بلفظ: "التراب المدقق"، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق مسلم البطين عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.