للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله إذا حزَبه أمر صلى (١).

وقوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)﴾ قال البخاري: قال سالم: الموت (٢)، وسالم هذا هو سالم بن عبد الله بن عمر، كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني طارق بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)﴾ قال: الموت (٣)، وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره (٤)، والدليل على ذلك قوله تعالى إخبارًا عن أهل النار أنهم قالوا: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧)[المدثر].

وفي الصحيح من حديث الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أُم العلاء امرأة من الأنصار أن رسول الله لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، قالت أُم العلاء: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله : "وما يدريك أن الله أكرمه؟ " فقلت: بأبي وأُمي يا رسول الله، فمن؟ فقال: "أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير" (٥).

ويستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)﴾ على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتًا، فيصلي بحسب حاله.

كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين أن رسول الله قال: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب" (٦).

ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم، وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة، وإنما المراد باليقين ههنا الموت، كما قدمناه.

ولله الحمد والمنة، والحمد لله على الهداية وعليه الاستعانة والتوكل، وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها، فإنه جواد كريم.

آخر تفسير سورة الحجر، والحمد لله رب العالمين، [وحسبنا الله ونعم الوكيل] (٧).


(١) أخرجه أبو داود من حديث حذيفة بن اليمان (السنن، الصلاة، باب وقت قيام النبي من الليل ح ١٣١٩)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١١٧١).
(٢) أخرجه البخاري معلقًا، ووصله الفريابي في تفسيره وعبد بن حميد والطبري كلهم من طريق الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن سالم بن عبد الله (ينظر: تغليق التعليق ٤/ ٢٣٤)، وسنده حسن.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٤) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق مبارك بن فضالة عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول عبد الرحمن بن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عنه.
(٥) صحيح البخاري، الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت … (ح ١٢٤٣).
(٦) صحيح البخاري، تقصير الصلاة، باب إذا لم يُطق قاعدًا صلى على جنب (ح ١١١٧).
(٧) زيادة من (مح).