للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- قال -: ويشتغل [الناس] (١) (٢).

ثم إنه تعالى نزَّهَ نفسه عن شركهم به غيره وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد، تعالى وتقدس علوًا كبيرًا، وهؤلاء هم المكذبون بالساعة فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾

﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (٢)﴾.

يقول تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾ أي: الوحي، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] وقوله: ﴿عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ وهم الأنبياء، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤] وقال: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٥] وقال: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (١٦)[غافر].

وقوله: ﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ أي: لينذروا ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] وقال في هذه: ﴿فَاتَّقُونِ﴾ أي: فاتقوا عقوبتي لمن خالف أمري وعبد غيري.

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)﴾.

يخبر تعالى عن خلقه العالم العلوي وهو السماوات، والعالم السفلي وهو الأرض بما حوت، وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث بل ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١] ثم نزَّه نفسه عن شرك من عبد معه غيره، وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له، فلهذا يستحق أن يعبد وحده لا شريك له،

ثم نبَّه على خلق جنس الإنسان من نطفة أي مهينة ضعيفة، فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله، وهو إبما خلق ليكون عبدًا لا ضدًا، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥)[الفرقان]. وقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)[يس].

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن بُسر بن جَحَّاش قال: بصق رسول الله في كفه، ثم قال: "يقول الله تعالى: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت الحلقوم


(١) زيادة من (حم) و (مح).
(٢) سنده ضعيف لأنه معلق، وقد أخرجه الحاكم موصولًا من طريق يحيى بن آدم به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٥٣٩)، وكذا أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١٧/ ٣٢٥) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله مولى المغيرة وهو ثقة (مجمع الزوائد ١/ ٣٣٤).