للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت أتصدق، وأنَّى أوان الصدقة" (١).

﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧)﴾.

يمتنّ تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج، وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون، ومن ألبانها يشربون ويأكلون من أولادها، وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة، ولهذا قال: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ﴾ وهو وقت رجوعها عشيًا من المرعى فإنها تكون أمدَّه خواصر وأعظمه ضروعًا وأعلاه أسنمة ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ أي: غدوة حين تبعثونها إلى المرعى

﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ وهي الأحمال الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها ﴿إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة وما جرى مجرى ذلك، تستعملونها في أنواع الاستعمال من ركوب وتحميل، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢)[المؤمنون]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١)[غافر]، ولهذا قال ههنا بعد تعداد هذه النعم ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ أي: ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم، كما قال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢)[يس]، وقال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)[الزخرف].

قال ابن عباس: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ أي: ثياب (٢)، ﴿وَمَنَافِعُ﴾ ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾: نسل كل دابة (٣).

وقال مجاهد: لكم فيها دفء؛ أي: لباس ينسج، ومنافع: مركب ولحم ولبن (٤).


(١) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٢٩/ ٣٨٧ ح ١٧٨٤٤) وحسن سنده محققوه، وأخرجه ابن ماجه (السنن، الوصايا، باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت ح ٢٧٠٧) وصحح سنده البوصيري، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢١٨٨).
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.