للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة: ﴿دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ يقول: لكم فيها لباس ومنفعة وبُلغة (١)، وكذا قال غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة.

﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨)﴾.

هذا صنف آخر مما خلق لعباده يمتن به عليهم، وهو الخيل والبغال والحمير التي جعلها للركوب والزينة بها، وذلك أكبر المقاصد منها، ولما فصلها من الأنعام، وأفردها بالذكر، استدل من استدل من العلماء ممن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل بذلك على ما ذهب إليه فيها، كالإمام أبي حنيفة ومن وافقه من الفقهاء بأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير وهي حرام، كما ثبتت به السنة النبوية، وذهب إليه أكثر العلماء.

وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، أنبأنا هشام الدستوائي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن مولى نافع بن علقمة، أنّ ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير، وكان يقول: قال الله تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)﴾ فهذه للأكل، ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ فهذه للركوب، وكذا روي من طريق سعيد بن جبير وغيره عن ابن عباس (٢) بمثله، وقال مثل ذلك الحكم بن عتيبة أيضًا (٣)، واستأنسوا بحديث رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا ثور بن يزيد، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب، عن أبيه، عن جده، عن خالد بن الوليد قال: نهى رسول الله عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير (٤). وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث صالح بن يحيى بن المقدام وفيه كلام (٥).

ورواه أحمد أيضًا من وجه آخر بأبسط من هذا وأدلّ منه فقال: حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا محمد بن حرب، حدثنا سليمان بن سليم، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن جده المقدام بن معد يكرب قال: غزونا مع خالد بن الوليد الصائفة، فقرم أصحابنا إلى اللحم فسألوني رمكة (٦) فدفعتها إليهم، فحبلوها (٧) وقلت: مكانكم حتى آتي خالدًا فأسأله فأتيته فسألته، فقال: غزونا مع رسول الله غزوة خيبر فأسرع الناس في حظائر يهود فأمرني أن أنادي الصلاة جامعة، ولا يدخل الجنة إلا مسلم، ثم قال: "أيها الناس: إنكم قد أسرعتم في حظائر (٨) يهود،


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسنديه ومتنه، والسند الأول فيه مولى نافع بن علقمة لم يصرح باسمه ولكنه توبع في السند الثاني بواسطة سعيد بن جبير فيتقوى سنده، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن علية به (المصنف ٨/ ٧١).
(٣) أخرجه الطبري وفي سنده ابن وكيع وهو سفيان فيه مقال.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٨٩) وسنده ضعيف لأن مداره على صالح بن يحيى بن المقدام وهو لين (التقريب ص ٢٧٤).
(٥) سنن أبي داود، الأطعمة، باب في أكل لحوم الخيل (ح ٣٧٩٠)، وسنن النسائي، الصيد، باب في أكل لحوم الخيل ٧/ ٢٠٢، وسنن ابن ماجه، الذبائح، باب لحوم البغال (ح ٣١٩٨) وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
(٦) (٧) (٨) هذا الغريب وضحه الحافظ ابن كثير بعد الحديث.